الفاتيكان
16 حزيران 2021, 06:30

البابا فرنسيس: كلّ عمل يحتاج إلى رؤية، رؤية كاملة ورؤية رجاء

تيلي لوميار/ نورسات
على منهج الثّلاثيّة: الرّؤية والحكم والعمل، ارتكز البابا فرنسيس في رسالته المصوّرة إلى المشاركين في النّسخة السّادسة عشرة من GLOBSEC Bratislava Forum حول إعادة بناء العالم بعد خبرة الوباء، تمنّى فيها التّمكّن من "توليد حلول أكثر إدماجًا واستدامة، نموذج تنمية يقوم على التّعايش السّلميّ بين الشّعوب والتّناغم مع الخليقة".

وفي تفاصيل كلمته، قال البابا نقلاً عن "فاتيكان نيوز": "أودّ أن أعرب عن امتناني للمنصّة الّتي يوفّرها منتدى براتيسلافا للمناقشة المهمّة حول إعادة بناء عالمنا بعد خبرة الوباء الّذي يُجبرنا على مواجهة سلسلة من القضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة والبيئيّة والسّياسيّة الخطيرة، وجميعها مترابطة فيما بينها. وبالتّالي أرغب في أن أقترح عليكم بعض الأفكار مستوحيًا من منهج الثّلاثيّة: الرّؤية والحكم والعمل.

أوّلاً الرّؤية؛ يبدو لي أنّ التّحليل الجادّ والصّادق للماضي، والّذي يتضمّن الاعتراف بأوجه القصور المنهجيّة، والأخطاء الّتي تمَّ ارتكابها وغياب المسؤوليّة تجاه الخالق والقريب والخليقة، لا غنى عنه لتطوير فكرة تعافٍ لا تهدف فقط لإعادة بناء ما كان في السّابق، وإنّما لتصحيح ما لم يكن يعمل قبل ظهور فيروس الكورونا وقد ساهم في تفاقم الأزمة. إنَّ من يريد أن ينهض من سقطةٍ ما عليه أن يواجه ظروف انهياره وأن يعترف بعناصر المسؤوليّة. لذلك أرى عالمًا خدعه شعور وهميّ بالأمان يقوم على جوع الرّبح. أرى نموذجًا للحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة، يتّسم بالكثير من عدم المساواة والأنانيّة، تمتلك فيه أقلّيّة صغيرة من سكّان العالم غالبيّة الخيور، وغالبًا ما لا تتردّد في استغلال الأشخاص والموارد. أرى أسلوب حياة لا يعتني بالبيئة بشكل كافٍ. لقد اعتدنا على أن نستهلك وندمِّر بدون رادعٍ ما هو ملك للجميع ويجب علينا حمايته باحترام، مُسبّبين هكذا "دَينًا إيكولوجيًّا" يتحمّله أوّلاً الفقراء والأجيال القادمة.

يقول الحكم. إنَّ الخطوة الثّانية هي أن نُقيِّم ما قد رأيناه. في كلمتي خلال تبادل التّهاني مع معاونيِّ في الكوريا الرّومانيّة بمناسبة عيد الميلاد الماضي، قدّمت تأمُّلاً موجزًا ​​حول معنى الأزمة. إنَّ الأزمة تفتح إمكانيّات جديدة: إنّها في الحقيقة تحدٍّ مفتوح لمواجهة الوضع الحاليّ، وتحويل زمن التّجربة هذا إلى زمن اختيار. الأزمة، في الواقع، تجبرك على الاختيار بين الخير أو الشّرّ. من الأزمة، كما كرّرت في السّابق، لا نخرج أبدًا بالطّريقة عينها: إمّا أن نخرج أفضل أو نخرج بشكل أسوأ ممّا كنّا عليه. لكن لن نخرج أبدًا كما كنّا في السّابق. إنّ الحكم على ما رأيناه وعشناه يحثُّنا على أن نصبح أفضل. ولذلك علينا أن نستفيد من هذا الوقت لكي نقوم بخطوات إلى الأمام. تذكّرنا الأزمة الّتي عصفت بالجميع بأنّ لا أحد يخلُص بمفرده. إنَّ الأزمة تفتح الطّريق أمامنا نحو مستقبل يعترف بالمساواة الحقيقيّة لكلّ كائنٍ بشريّ: لا مساواة مجرّدة، بل مساواة ملموسة، توفّر للأشخاص والشّعوب فرص تنمية عادلة وحقيقيّة.

يقول العمل؛ إنَّ الّذي لا يعمل يضيّع الفرص الّتي تقدِّمها الأزمة. إنَّ العمل في مواجهة الظّلم والتّهميش الاجتماعيّين يتطلّب نموذجًا للتّنمية يضع كلّ إنسان والإنسان بأكمله في المحور كالرّكيزة الأساسيّة للاحترام والحماية، من خلال اعتماد منهجيّة تتضمّن أخلاقيّات التّضامن والمحبّة السّياسيّة. كلّ عمل يحتاج إلى رؤية، رؤية كاملة ورؤية رجاء: رؤية مثل رؤية النّبيّ أشعيا، الّذي رأى السّيوف تتحوّل إلى محاريث، والرّماح إلى مناجل. إنَّ العمل من أجل تنمية الجميع هو إطلاق عمل ارتداد؛ ولاسيّما قرارات تحوّل الموت إلى حياة والأسلحة إلى طعام. ولكنّنا جميعًا بحاجة إلى الشّروع في ارتداد إيكولوجيّ أيضًا. في الواقع، تتضمّن الرّؤية الشّاملة منظور الخليقة كـ"بيت مشترك" وتتطلّب أن نعمل بإلحاح من أجل حمايته.

أيّها الأصدقاء الأعزّاء، إذ يحرّكني الرّجاء الآتي من الله، آمل أن تساهم تبادلاتكم خلال هذه الأيّام في نموذج تعافي قادر على توليد حلول أكثر إدماجًا واستدامة؛ نموذج تنمية يقوم على التّعايش السّلميّ بين الشّعوب والتّناغم مع الخليقة."