الفاتيكان
03 شباط 2017, 12:00

البابا فرنسيس في اليوم العالمي للحياة المكرّسة: الربّ يفي بوعده

ألقى قداسة البابا فرنسيس عظة بمناسبة الإحتفال بقدّاس بعيد تقدمة يسوع إلى الهيكل واليوم العالمي للحياة المكرسة، وقال: "عندما أخذ والدَيّ يسوع الطفلَ ليقوما بما تقتضيه الشريعة، حملَه سمعانُ الشيخ بين يديه "بِدافِعٍ مِنَ الرُّوح" (لو 2، 27)، وأخذ يسبّح منشدًا نشيد بركة وتسبيح: "فقَد رَأَت عَينايَ خلاصَكَ الَّذي أَعدَدَته في سبيلِ الشُّعوبِ كُلِّها نُوراً يَتَجَلَّى لِلوَثَنِيِّين ومَجداً لِشَعْبِكَ إِسرائيل" (لو 2، 30- 32)، موضحًا أن سمعانُ الشيخ لم يتمكّن من رؤية الرّجاءَ المنتظر وحسب، إنما نال حظوة احتضانه، وهذا ما جعله يتهلّل فرحًا.

وتابع البابا: تقولُ لنا اللّيتورجيّة اليوم إنّ الرّبّ، من خلال هذا الطقس، بعد أربعين يوم من الولادة، "يخضع لأحكام القانون القديم، ولكنّه في الواقع يأتي للقاء شعبه الذي ينتظره بإيمان"، إن لقاء الله بشعبه يولّد الفرح ويجدّد الرّجاء، مشيرًا الى أن نشيد سمعان الشّيخ هو نشيد كلّ شخص مؤمن يمكنه، في آخر أيّامه، أن يؤكّد: أن الرّجاء بالربّ هو، في الحقيقة، لا يخيّب أبدًا، فالله لا يغش. لقد تحلّى سمعانُ الشيخ وحنّة النبيّة، في شيخوختهما بخصوبة جديدة، شهدا لها منشدَين: إن الحياة تستحقُّ أن تُعاش برجاء لأن الربّ يفي بوعده؛ وسيشرح يسوع نفسه لاحقًا هذا الوعد في مجمع الناصرة: المرضى، والأسرى، والذين يعانون من الوحدة، والفقراء، والشيوخ، والخطأة هم أيضًا مدعوّون ليرنّموا نشيد الرجاء نفسه، لأنّ يسوع معهم، ومعنا أيضًا.

وأكّد البابا "أننا نلنا نشيد الرّجاء هذا كميراث من آبائنا، وقد أدخلونا في هذه "الديناميكية"، واستطعنا أن نرى كيف تجسّد هذا التسبيح في وجوههم، وحياتهم، وتكرّسهم اليوميّ والثابت. إننا ورثة لأحلام آبائنا، ورثة للرجاء الذي لم يخيّب أمّهاتنا وآبائنا المؤسِّسين، وإخوتنا الكبار. إننا ورثة شيوخنا الذين تحلّوا بالشجاعة ليحلموا؛ وعلى مثالهم، نريد اليوم نحن أيضًا أن ننشد: الله لا يغش، والرجاء به لا يخيّب. الله يأتي للقاء شعبه. ونريد أن ننشد متبنّين نبؤة يوئيل: "أُفيضُ روحى على كُلِّ بَشَر فيَتَنَبَّأَ بنوكم وبَناتُكم ويَحلُمُ شُيوخُكم أَحْلاماً ويَرى شُّبانُكم رُؤًى" (3، 1). سيساعدنا جدًّا أن نقبل حلم آبائنا كي نتنبّأ اليوم ونجد مجدّدا ما كان قد أضرم قلبنا يومًا ما. إن الحلم والنبوّة يسيران معًا، أيّ أنّع علينا أن نتذكّر كيف حلم مسنّونا وآباؤنا وأمّهاتنا، وأن تكون لنا الشجاعة لنسير قدمًا في هذا الحلم بشكل نبويّ".

وأضاف أن هذا الموقف سيجعلنا نحن المكرسين أشخاصًا أخصاب، ولكنّه يحفظنا بشكل خاص من الوقوع في تجربةٍ يمكنها أن تجعل حياتنا المكرّسة عقيمة: تجربة "البقاء على قيد الحياة"، شرّ يمكنه أن يستقرّ تدريجيًّا في داخلنا، وفي داخل جماعاتنا. إن موقف "البقاء على قيد الحياة" يحوّلنا إلى أشخاص رجعيين وخائفين، ويجعلنا ننغلق شيئًا فشيئًا وبصمت في بيوتنا وأحكامنا. فيعيدنا إلى الوراء، إلى أيام العزِّ – الماضية – التي، وبدل من أن تولّد الإبداع النبوّي الذي ولد من أحلام مؤسِّسينا، تبحث عن طرق مختصرة للهروب من التحدّيّات التي تقرع اليوم أبوابنا. إن ذهنيّة "البقاء على قيد الحياة" تسلب القوّة من مواهبنا لأنها تحملنا على "ترويضها" وجعلها "في متناول اليد" فنحرمها هكذا من قوّتها الخلاقة؛ وبالتالي نضع اهتمامنا في حماية الفسحات، والمباني أو الهيكليات، أكثر منه في إطلاق عمليّات جديدة. إن تجربة "البقاء على قيد الحياة" تجعلنا ننسى النعمة، وتحوّلنا إلى مجرّد أخصّائيين في الأمور المقدّسة، وليس إلى آباء وأمّهات أو إخوة للرجاء الذي دُعينا لنتنبّأ به. هذا الجو من "البقاء على قيد الحياة" يجفّف قلوب شيوخنا ويحرمهم من القدرة على الحلم، ويجعل، بهذه الطريقة، النبؤةَ التي دُعيَ الأصغر سنًّا إلى إعلانها وتحقيقها، عاقرة. إن تجربة "البقاء على قيد الحياة" تحوّلُ إلى خطرٍ، وتهديدٍ، ومأساة، ما يقدّمه الربّ لنا كفرصةٍ من أجل الرسالة. إن هذا الموقف ليس خاصًّا بالحياة المكرّسة وحسب، ولكن نحن مدعوّون بشكل خاصّ للتنبّه كي لا نسقط فيه.

وعتبر البابا ان ما ولّد نشيد التّسبيح في سمعان الشّيخ وحنّة لم يكن بالتأكيد النّظر إلى نفسيهما، ولا تحليل وضعهما الشّخصي وإعادة النّظر فيه، كما لم يكن أيضًا انغلاقهما على نفسيهما خوفًا من أن يحدث لهما أمر سيّئ. لقد دفعهما الرّجاء إلى الإنشاد، ذاك الرجاء الذي كان يعضدهما في شيخوختهما، وقد تحقق في اللقاء بيسوع. عندما وضعت مريم ابن الوعد بين يديّ سمعان، شرع الشيخ بالترنيم، احتفل بـ "ليتورجيّته الخاصة" وأنشد أحلامه. وعندما تضع يسوع وسط شعبه، يجد هذا الأخير الفرح. نعم! وحده هذا الأمر قادر على أن يعيد لنا الفرح والرجاء، ووحده سيخلّصنا من العيش في موقف "البقاء على قيد الحياة" هذا. وحده هذا الأمر سيجعل حياتنا خصبة وسيحافظ على قلبنا حيًّا على الدوام. لذلك ينبغي علينا أن نضع يسوع حيث يجب أن يكون: وسط شعبه.

وتابع البابا: لا شك أننا جميعنا متنبّهون للتحوّل المتعدّد-الثقافات الذي نعيشه؛  من هنا أهمّية أن يكون المكرّس والمكرّسة متّحدين بيسوع في حياتهما وسط هذه التغييرات العظيمة. فالرسالة – بالانسجام مع كلّ موهبة خاصة – هي التي تُذكّرنا بأنّنا قد دُعينا لنكون الخميرة في العجين. من المؤكّد أن هناك أنواع "دقيق" أفضل، لكن الربّ قد دعانا كي نكون الخميرة هنا والآن، مع كلّ التحدّيات التي تواجهنا. ليس من خلال موقف  دفاعي ولا بدافع الخوف، وإنما واضعين أيدينا على المحراث، عاملين كي ينمو البذر الذي غالبًا ما زُرع بين الزؤان. أن نضع يسوع وسط شعبه يعني أن يكون لنا قلبًا تأمّليًّا، باستطاعته أن يميّز كيف يسير الله على دروب مدننا، وبلداننا، وأحيائنا. أن نضع يسوع وسط شعبه يعني أن نتحمّل المسؤوليّة ونرغب في مساعدة إخوتنا على حمل الصليب؛ يعني أيضًا أن نلمس جراح يسوع في جراح العالم المتألّم الذي يتوق إلى الشفاء. علينا أن نضع أنفسنا مع يسوع وسط شعبه! لا كناشطين في الإيمان، وإنما كرجال ونساء يُغفَر لهم باستمرار، رجال ونساء يتّحدون في المعموديّة كي يتقاسموا هذه المسحة وتعزية الله مع الآخرين.

وختم البابا فرنسيس عظته قائلًا: لنرافق يسوع كي يلتقي بشعبه ويكون في وسطه، لا بروح تذمّر أو قلقِ من نسي كيف يتنبّأ لأنه لم يأخذ على عاتقه أحلام آبائه، إنما بالتسبيح والسّكينة؛ ولا بروح الاضطراب إنما بصبرِ من يثق بالرّوح القدس، ربّ الأحلام والنبؤة. فنتقاسم هكذا ما نملكه: النشيد الذي يولد من الرّجاء.