الفاتيكان
26 تشرين الثاني 2018, 15:00

البابا فرنسيس: في الأمور الصّغيرة يوسِّع القلب

"إنَّ يسوع غالبًا ما يظهر في الإنجيل التّناقض بين الأغنياء والفقراء، يكفي أن نفكّر بالغنيّ ولعازر أو بالشّابّ الغنيّ، تناقض يجعلنا نقول للرّبّ: "إنّه لصعب جدًّا على الأغنياء أن يدخلوا ملكوت السّماوات" وبالتّالي قد يصف البعض يسوع بأنّه "شيوعيّ" ولكنَّ الرّبّ عندما كان يقول هذه الأمور كان يعرف أنَّ خلف الغنى هناك على الدّوام الرّوح الشّرير: سيِّد هذا العالم؛ لذلك قال أيضًا: "لا يَقدِرُ أَحَدٌ أَن يَخدِمَ سَيِّدَينِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبغِضَ الوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَو يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقدِرُونَ أَن تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ".

 

هكذا استهلّ البابا فرنسيس عظته اليوم في قدّاسه الصّباحيّ، في كابيلا القدّيسة مرتا، وتابع يقول بحسب "فاتيكان نيوز": "يقدّم لنا إنجيل اليوم أيضًا تناقضًا بين الأغنياء الّذين "يُلقونَ هِباتَهُم في الخِزانَة" والأرملة الفقيرة الّتي "تُلقي فيها فَلسَين". هؤلاء الأغنياء يختلفون عن الغنيّ في مثل لعازر فهم ليسوا أشرارًا بل على العكس يبدو أنّهم أشخاص صالحون يذهبون إلى الهيكل ويقدِّمون الهبات، وبالتّالي فالتّناقض هنا مختلف تمامًا. ويريد الرّبّ أن يقول لنا شيئًا مختلفًا عندما يؤكِّد لتلاميذه أنَّ "الأَرمَلَةَ الفَقيرَةَ أَلقَت أَكثَرَ مِنهُم جَميعًا. لِأَنَّ هَؤُلاءِ كُلَّهُم أَلقَوا في الهِباتِ مِنَ الفاضِلِ عَن حاجاتِهِم. وَأَمّا هِيَ فَإِنَّها مِن حاجَتِها أَلقَت جَميعَ ما تَملِكُ لِمَعيشَتِها". لقد كان الشّعب في إسرائيل يعتبر الأرملة واليتيم والمهاجر والغريب من أفقر الفقراء لدرجة أنَّهم كانوا يشيرون إليهم على الدّوام في الحديث عن الفقراء؛ أمّا هذه المرأة "مِن حاجَتِها أَلقَت جَميعَ ما تَملِكُ لِمَعيشَتِها" لأنّها كانت تثق بالله، كانت امرأة التّطويبات وكانت سخيّة جدًّا: تعطي كلَّ شيء لأنّ الرّبّ هو كلَّ شيء. وبالتّالي يشكّل إنجيل اليوم دعوة لعيش السّخاء.

إزاء إحصائيّات الفقر في العالم والأطفال الّذين يموتون من الجوع والّذين ليس لديهم أكل ولا دواء، من الجيّد أن يسأل كلُّ فرد منّا نفسه: "كيف يمكنني أن أحلّ هذا الأمر؟" وهذا السّؤال يولد من القلق لفعل الخير، ولذلك عندما يتساءل شخص لا يملك الكثير من المال إن كان القليل الّذي يقدّمه يفيد، أقول له يفيد بالتّأكيد تمامًا كفلسَي الأرملة. إنّها دعوة لعيش السّخاء؛ والسّخاء هو أمر يعاش يوميًّا ولذلك علينا أن نفكّر: كيف يمكنني أن أكون أكثر سخاءً مع الفقراء والمعوزين؟ ... كيف يمكنني أن أساعد أكثر؟ قد يقول لي أحدكم: "ولكن يا أبتي أنت تعرف أنّنا نصل بالكاد إلى آخر الشّهر"؛ "ولكن ألا يفيض عنك فلسين؟ فكّر لأنّه بإمكانك أن تكون سخيًّا بهذين الفلسَين!" فكّر حتّى الأمور الصّغيرة بإمكانها أن تساعد. لنقم، على سبيل المثال، بجولة في غرفنا وخزانتنا ونرى كم جوز من الأحذية نملك؛ وإن كنتَ تملك الكثير أعطِ نصفها. كم من الملابس لا نلبسها أبدًا خلال السنة؟ يمكننا أن نعطيها لمن هو بحاجة لها؛ هذا أحد أشكال السخاء أن نعطي مما لدينا ونتشاركه مع الآخرين.

هناك سيّدة كانت في كلّ مرّة تذهب إلى السّوق تشتري بعشرة بالمئة من القيمة الّتي صرفتها أغراضًا للفقراء، وبالتّالي يمكننا أن نصنع العجائب بواسطة السّخاء، يكفي السّخاء حتّى في الأمور الصّغيرة، ربّما لا نقوم بذلك لأنّنا لم نفكّر في الأمر من قبل ولكن رسالة الإنجيل اليوم تجعلنا نفكّر: كيف يمكنني أن أكون أكثر سخاء؟ قد يقول لي أحدكم "نعم يا أبتي ولكن هناك على الدّوام القليل من الخوف!" نعم لأنَّ هناك مرض ضدّ السّخاء وهو مرض الاستهلاك، مرض يقوم على الشّراء دائمًا.

إنّ الاستهلاك هو مرض كبير! لا أقول إنّنا نعاني منه جميعًا لا. ولكنّ الاستهلاك والإسراف في الصّرف هو نقص في التّقشّف في الحياة: إنّه عدوّ السّخاء. والسّخاء المادّيّ– أيّ التّفكير بالفقراء– يوسّع القلب ويحمل على الكرم. وبالتّالي يتعلّق الأمر بالتّحلّي بقلب سخيّ وكريم يمكنه احتواء الجميع".

وفي الختام، حثّ الأب الأقدس الجميع على "السّير في درب السّخاء بدءًا من التّدقيق في بيوتنا بحثًا عمّا أحتاج له وما لا أحتاج له وما يمكنه أن يفيد غيري، وعيش التّقشّف؛ ولذلك علينا أن نصلّي إلى الرّبّ لكي يحرّرنا من هذا الشّرّ الخطير الّذي هو الاستهلاك الّذي يستعبدنا ويجعلنا ندمن على الصّرف. لنطلب إذًا هذه النّعمة من الرّب نعمة السّخاء الّذي يوسّع قلوبنا ويحملنا على الكرم".