الفاتيكان
23 كانون الأول 2020, 14:30

البابا فرنسيس: عيد الميلاد هو عيد الحبّ المتجسّد

تيلي لوميار/ نورسات
مع اقتراب عيد الميلاد، قدّم البابا فرنسيس في تعليمه الأسبوعيّ اليوم، بعض النّقاط للتّأمّل استعدادًا للاحتفال بعيد الميلاد، فقال بحسب "فاتيكان نيوز":

"في ليتورجية اللّيل، يتردّد صدى إعلان الملاك للرّعاة: "لا تَخافوا، ها إِنِّي أُبَشِّرُكُم بِفَرحٍ عَظيمٍ يَكونُ فَرحَ الشَّعبِ كُلِّه: وُلِدَ لَكُمُ اليَومَ مُخَلِّصٌ في مَدينَةِ داود، وهو الـمَسيحُ الرَّبّ. وإِلَيكُم هذِهِ العَلامة: سَتَجِدونَ طِفلاً مُقَمَّطًا مُضجَعًا في مِذوَد".

إذ نتشبّه بالرّعاة، نسير نحن أيضًا بشكل روحيٍّ نحو بيت لحم، حيث ولدت مريم الطّفل في إسطبل، لأَنَّهُ– وكما يقول القدّيس لوقا– لم يَكُنْ لَهُما مَوضِعٌ في المَضافة. لقد أصبح عيد الميلاد عيدًا عالميًّا، وحتّى الّذين لا يؤمنون يشعرون بسحر هذه الذّكرى. لكنَّ المسيحيّ يعرف أنّ عيد الميلاد هو حدث حاسم، ونار دائمة أضرمها الله في العالم، ولا يمكن الخلط بينه وبين الأشياء الزّائلة. وبالتّالي من الأهمّيّة بمكان ألّا يتحوّل إلى مجرّد عيد عاطفيّ أو استهلاكيّ، غنيٌّ بالهدايا والتّمنّيات الطّيّبة، وإنّما فقير في الإيمان المسيحيّ. لذلك، من الضّروريّ استئصال ذهنيّة دنيويّة معيّنة، غير قادرة على فهم جوهر إيماننا المتوهّج، وهو أنَّ: "الكَلِمَةُ صارَ بَشَرًا فسَكَنَ بَينَنا فرأَينا مَجدَه مَجدًا مِن لَدُنِ الآبِ لابنٍ وَحيد مِلؤُه النِّعمَةُ والحَقّ".

يدعونا عيد الميلاد إلى التّأمّل، من ناحية، حول مأساويّة التّاريخ، الّذي يبحث فيه النّاس، الّذين تجرحهم بالخطيئة، باستمرار عن الحقيقة والرّحمة والفداء ومن ناحية أخرى، حول صلاح الله الّذي جاء للقائنا لكي يمنحنا الحقيقة الّتي تخلِّص ويجعلنا نشارك في صداقته وحياته. وعطيّة النّعمة هذه نحن ننالها من خلال بساطة وبشريّة عيد الميلاد، ويمكنها أن تزيل من قلوبنا وأذهاننا التّشاؤم الّذي انتشر اليوم بسبب الوباء. يمكننا أن نتخطّى هذا الشّعور بالضّياع، وألّا نسمح بأن يخنقنا الفشل والإخفاق، في الإدراك الجديد بأنّ هذا الطّفل المتواضع والفقير، الخفيّ والأعزل، هو الله نفسه، الّذي صار إنسانًا من أجلنا. يخبرنا المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، في مقطع مشهور من الدّستور الرّعائيّ حول الكنيسة في العالم اليوم، أنّ هذا الحدث يطال كلّ واحد منّا: "بتجسُّدِهِ إتَّحَدَ ابنُ الله نوعًا ما بكلِّ إنسان. لقد اشتغل بيدي إنسانٍ وفكر كما يُفكر الإنسان وعمل بإرادة إنسانٍ وأحبَّ بقلبِ الإنسان. لقد وُلِدَ من العذراء مريم وصار حقًّا واحدًا منّا شبيهًا بنا في كلِّ شيء ما عدا الخطيئة" (دستور رعائيّ في الكنيسة في عالم اليوم، "فرح ورجاء"، عدد 22).

يمنحنا هذا الواقع الكثير من الفرح والشّجاعة. فالله لم ينظر إلينا من فوق، ولم يمرّ بنا، ولم يشعر بالاشمئزاز من بؤسنا، ولم يلبس جسدًا ظاهريًّا، لكنّه أخذ طبيعتنا وحالتنا البشريّة بالكامل. لم يترك شيئًا سوى الخطيئة. لقد أخذ كلّ ما نحن عليه، وهذا الأمر جوهريٌّ لكي نفهم الإيمان المسيحيّ. كتب القدّيس أوغسطينوس في اعترافاته، فيما كان يعيد التّفكير في مسيرة اهتدائه: "لم يكن لديّ ما يكفي من التّواضع لكي امتلك إلهي، يسوع المتواضع، ولم أكن أعرف بعد تعاليم ضعفه". "ضعف" يسوع هو "تعليم"! لأنّه يكشف لنا محبّة الله؛ وعيد الميلاد هو عيد الحبّ المتجسّد الّذي ولد من أجلنا في يسوع المسيح. إنّه نور البشر الّذي يشعُّ في الظّلام، والّذي يعطي معنى للحياة البشريّة وللتّاريخ بأسره.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، إنَّ هذه التّأمّلات الوجيزة تساعدنا لكي نحتفل بعيد الميلاد بوعي أكبر. ولكن هناك طريقة أخرى لكي نستعدّ، وأريد أن أذكِّركم وأذكّر نفسي بها، وهي في متناولنا جميعًا: التّأمّل لفترة وجيزة في صمت أمام المغارة. لهذا السّبب، كتبتُ العام الماضي رسالة سيفيدنا أن نعيد قراءتها، وتحمل عنوان "Admirabile signum" أيّ "علامة رائعة". ففي مدرسة القدّيس فرنسيس الأسيزيّ، يمكننا أن نصبح أطفالاً لفترة صغيرة من خلال التّأمّل في مشهد الميلاد، والسّماح بأن تولد فينا مجدّدًا الدّهشة إزاء الأسلوب الرّائع الّذي أراد الله من خلاله أن يأتي إلى العالم. وهذا الأمر سيجعل الحنان فينا يولد من جديد؛ ونحن اليوم بحاجة ماسّة للحنان! إذا كان الوباء قد أجبرنا على الابتعاد عن بعضنا البعض، فإنّ يسوع، في المغارة، يظهر لنا درب الحنان لكي نكون قريبين من بعضنا البعض، ولكي نكون بشرًا. لنتبع إذًا هذا الدّرب. أتمنّى لكم عيدَ ميلاد مجيد!".