الفاتيكان
06 حزيران 2022, 10:20

البابا فرنسيس عن الطّوباويّين اللّبنانيّين الكبّوشيّين: ليعزّز مثالهما شهادتنا المسيحيّة

تيلي لوميار/ نورسات
"بالأمس، في بيروت، تمّ تطويب اثنين من الإخوة الكبّوشيّين الأصاغر، ليونار ملكي وتوما صالح، كاهنين شهيدين، قُتلا بسبب إيمانهما في تركيا في عامي 1915 و1917 على التّوالي. هذان المرسلان اللّبنانيّان قد قدّما في سياق عدوانيّ دليلاً على ثقة لا تتزعزع بالله وإنكار للذّات في سبيل القريب. فليعزّز مثالهما شهادتنا المسيحيّة".

هذا ما قاله البابا، أمس الأحد بعد صلاة "إفرحي يا ملكة السّماء" مع المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس، ألقى قبلها كلمة روحيّة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "نحتفل اليوم، في عيد العنصرة، بحلول الرّوح القدس على الرّسل، والّذي حدث بعد خمسين يومًا من عيد الفصح. بعد أن كان يسوع قد وعد به عدّة مرّات. ينقل إلينا الإنجيل، في اللّيتورجية اليوم، إحدى هذه المرّات، عندما قال يسوع للتّلاميذ: "الرُّوحَ القُدُس الَّذي يُرسِلُه الآبُ بِاسمي هو يُعَلِّمُكم جَميعَ الأشياء ويُذَكِّرُكُم جَميعَ ما قُلتُه لَكم". هذا ما يفعله الرّوح: هو يُعلمنا ويذكّرنا بما قاله المسيح. لنتأمّل حول هذين العملين، التّعليم والتّذكير، لأنّ هذه هي الطّريقة الّتي يدخل بها إنجيل يسوع إلى قلوبنا.

أوّلاً الرّوح القدس يعلِّم. بهذه الطّريقة يساعدنا على تجاوز عقبة تظهر في خبرة الإيمان: وهي المسافة. في الواقع، قد ينشأ الشّكّ في أنّ هناك مسافة كبيرة بين الإنجيل والحياة اليوميّة: لقد عاش يسوع لألفي سنة خلت، وقد كانت أزمنة أخرى، ومواقف أخرى، وبالتّالي يبدو أنّ الإنجيل قد أصبح قديمًا، وغير ملائم لكي يحدِّث حاضرنا بمتطلّباته ومشاكله. هذا السّؤال يأتي إلينا نحن أيضًا: ماذا يمكن للإنجيل أن يقول في عصر الإنترنت والعولمة؟ كيف يمكن لكلمته أن تؤثّر على الأشخاص؟

إنَّ الرّوح القدس هو متخصّص في ملء المسافات، ويعلّمنا أن نتغلّب عليها. هو الّذي يربط تعاليم يسوع بكلّ زمن وكلّ شخص. معه لا تكون كلمات المسيح مجرّد ذكرى، لا وإنّما وبقوّة الرّوح القدس تصبح كلمات المسيح اليوم حيّة! نعم، إنَّ الرّوح يجعلها حيّة من أجلنا: ومن خلال الكتاب المقدّس يخاطبنا ويوجّهنا في الحاضر. هو لا يخاف من مرور القرون، لا بل هو يجعل المؤمنين مُتنبِّهين لمشاكل وأحداث زمنهم. إنَّ الرّوح القدس، في الواقع، عندما يعلم، يُحدِّث: ويحافظ على الإيمان شابًّا على الدّوام. نحن نخاطر بأن نجعل الإيمان شيئًا يُعرض في المتاحف، أمّا الرّوح القدس فيجعله يتماشى مع العصر. لأنّ الرّوح القدس لا يرتبط بعصور أو نزعات عابرة، بل يحمل إلى الحاضر آنيّة يسوع القائم من الموت والحيّ.

كيف يفعل الرّوح هذا؟ بجعلنا نتذكّر. وهذا هو الفعل الثّاني، تذكّر، أيّ أعاد إلى القلب: إنَّ الرّوح يعيد الإنجيل إلى قلوبنا. ويحدث لنا ما حدث للرّسل: كانوا قد أصغوا ليسوع مرّات عديدة، ومع ذلك لم يفهموه كثيرًا. ولكنّهم من يوم العنصرة فصاعدًا تذكّروا وفهموا بالرّوح القدس. قبلوا كلماته كما ولو أنّها قد صُنعت خصّيصًا لهم وانتقلوا من معرفة خارجيّة إلى علاقة حيّة وثابتة وسعيدة مع الرّبّ. إنَّ الرّوح هو الّذي يفعل هذا، وهو الّذي يجعلنا ننتقل من ما سمعناه من آخرين إلى معرفة شخصيّة ليسوع الّذي يدخل قلوبنا. وهكذا يغيّر الرّوح القدس حياتنا: يجعل أفكار يسوع تصبح أفكارنا. ويقوم بذلك من خلال تذكيرنا بكلماته.

أيّها الإخوة والأخوات، بدون الرّوح الّذي يذكّرنا بيسوع، يُصبح الإيمان بدون ذاكرة. ونحن- لنحاول أن نسأل أنفسنا- هل نحن مسيحيّون قد فقدوا الذّاكرة؟ ربّما تكفي معاكسة أو جهد أو أزمة لكي ننسى محبّة يسوع ونسقط في الشّكّ والخوف؟ العلاج هو استدعاء الرّوح القدس. لنقم بذلك غالبًا، لاسيّما في اللّحظات المهمّة وقبل اتّخاذ القرارات الصّعبة. لنأخذ الإنجيل في يدنا ولنستدعي الرّوح القدس. يمكننا أن نقول هكذا: "تعال أيّها الرّوح القدس، ذكّرني بيسوع، أنر قلبي". ومن ثمّ لنفتح الإنجيل ونقرأ فقرة صغيرة ببطء. وسيجعلها الرّوح القدس تحدّث حياتنا. لتُشعل فينا العذراء مريم، الممتلئة من الرّوح القدس، الرّغبة في أن نرفع الصّلاة له ونقبل كلمة الله".

وبعد تلاوة الصّلاة، حيا البابا فرنسيس المؤمنين وقال: "أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، في عيد الفصح أصبح حلم الله للبشريّة حقيقة. بعد خمسين يومًا من عيد الفصح، التقت الشّعوب الّتي تتحدّث لغات مختلفة وفهمت بعضها البعض. لكن الآن، بعد مئة يوم من بدء العدوان المسلّح على أوكرانيا، حلَّ كابوس الحرب مرّة أخرى على البشريّة، والّذي هو إنكار حلم الله: شعوب تتصادم، وشعوب تقتل بعضها البعض، وأشخاص، بدلاً من أن يقتربوا من بعضهم البعض، يتمّ إبعادهم عن منازلهم. وبينما يتصاعد غضب الدّمار والموت والصّراعات، ويغذّي تصعيدًا يزداد خطورة على الجميع، أجدّد مناشدتي لقادة الدّول: من فضلكم لا تقودوا البشريّة إلى الدّمار! من فضلكم لا تقودوا البشريّة إلى الدّمار! وليتمّ إجراء مفاوضات حقيقيّة، مفاوضات ملموسة لوقف إطلاق النّار وإيجاد حلّ مستدام. وليتمَّ الإصغاء إلى الصّرخة اليائسة للنّاس الّذين يتألّمون– ونرى ذلك يوميًّا في وسائل الإعلام– وليتمَّ احترام الحياة البشريّة وليتوقّف التّدمير المروّع للمدن والقرى في شرق أوكرانيا. لنستمرّ من فضلكم في الصّلاة والالتزام من أجل السّلام بدون أن نكِلّ."

وأضاف: "لقد بلغني بفرح أنّ الهدنة في اليمن قد تمّ تجديدها لمدّة شهرين آخرين. أشكر الله وأشكركم. آمل أن تكون علامة الرّجاء هذه خطوة أخرى لوضع حدّ لذلك الصّراع الدّمويّ، الّذي ولّد إحدى أسوأ الأزمات الإنسانيّة في أيّامنا. من فضلكم لا ننسينَّ أبدًا أن نفكّر في أطفال اليمن: جوع ودمار ونقص التّعليم ونقص في كلّ شيء. لنفكّر في الأطفال! أودّ أن أؤكّد صلاتي من أجل ضحايا الانهيارات الأرضيّة الّتي تسبّبت فيها الأمطار الغزيرة الّتي حدثت في منطقة ريسيفي بالبرازيل. كما أعبّر عن قربي من صيّادي الأسماك، لنفكّر في صيّادي الأسماك الّذين، بسبب ارتفاع تكلفة الوقود، يخاطرون بوقف نشاطهم؛ وأوسِّع قربي أيضًا لكي يشمل جميع فئات العمّال الّذين يعانون بشدّة من عواقب الصّراع في أوكرانيا."