البابا فرنسيس: عندما نصلّي نحن لا نفعل ذلك بمفردنا أبدًا!
وتابع قائلاً في هذا السّياق بحسب "فاتيكان نيوز": "في الصّلوات الّتي نجدها في الكتاب المقدّس، والّتي غالبًا ما يتردّد صداها في اللّيتورجيا، هناك أثر لقصص قديمة، وتحريرات مذهلة، وترحيل ونفي حزين، وحالات رجوع مؤثِّرة، وتسابيح ترتفع أمام عظائم الخلق... وهكذا تنتقل هذه الأصوات من جيل إلى جيل، في تشابك مستمرّ بين الخبرة الشّخصيّة وخبرة الشّعب والبشريّة الّتي ننتمي إليها. في صلاة التّسبيح، ولاسيّما في تلك الّتي تُزهر في قلوب الصّغار والمتواضعين، يتردّد صدى شيء من نشيد التّعظيم الّذي رفعته مريم لله أمام نسيبتها أليصابات؛ أو من تعجُّب سمعان الشّيخ الّذي وإذ حمل الطّفل يسوع بين ذراعيه قال: "الآنَ تُطلِقُ، يا سَيِّد، عَبدَكَ بِسَلام، وَفْقًا لِقَوْلِكَ".
إنَّ الصّلوات- الصّالحة- تنتشر باستمرار، مع أو بدون رسائل على شبكات التّواصل الاجتماعيّ: من أجنحة المستشفيات، من لحظات الاحتفالات ومن تلك الّتي يعاني فيها الأشخاص بصمت... إنَّ ألم كلّ فرد هو ألم الجميع، وسعادة شخص تختلج نفوس الآخرين أيضًا. تولد الصّلوات مجدّدًا على الدّوام: في كلّ مرّة نضمّ أيدينا ونفتح قلوبنا لله، نجد أنفسنا بصحبة قدّيسين مجهولين وقدّيسين معروفين يصلّون معنا ويتشفَّعون من أجلنا، كأِخوةٍ وأخوات أكبر منّا عبروا مغامرتنا البشريّة نفسها. لا يوجد في الكنيسة حداد يبقى وحيدًا، ولا وجود لدمعة تُذرف في النّسيان، لأنّ كلّ شيء يتنفّس ويشترك في نعمة مشتركة. وبالتّالي ليس من قبيل الصّدفة أنّ المدافن في الكنائس القديمة كانت في الحديقة المحيطة بالكنيسة، وكأنّنا نقول إنّ جوق الّذي سبقونا يشاركوننا بطريقة أو بأخرى في كلِّ احتفال إفخارستيّ نعيشه. هناك آباؤنا وأجدادنا، وهناك العرَّابون والعرّابات، وأساتذة التّعليم المسيحيّ والمربّون الآخرون...
إنَّ القدّيسين ما زالوا هنا، وليسوا بعيدين عنّا؛ وصورهم في الكنائس تذكّرنا بـ"سحابة الشّهود" الّتي تحيط بنا على الدّوام. إنّهم شهود لا نعبدهم– وهذا مفهوم- ولكنّنا نكرّمهم وبآلاف الطّرق المختلفة يقودوننا إلى يسوع المسيح، الرّبّ الوحيد والوسيط بين الله والإنسان. هم يذكّروننا أيضًا أنّه حتّى في حياتنا، الضّعيفة والمطبوعة بالخطيئة، يمكن للقداسة أن تُزهر، وأنّ الأوان لم يفُت أبدًا لكي نعود إلى الرّبّ، الصّالح، "طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ". يشرح التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة أنَّ القدّيسين "يعاينون الله ويسبِّحونه ولا ينقطعون عن الاهتمام بمن تركوهم على الأرض. […] وشفاعتهم هي أسمى خدمة يقدّمونها لقصد الله. وبالتّالي يمكننا لا بل علينا أن نصلّي إليهم لكي يشفعوا فينا وفي العالم كلّه" (عدد 2683). في المسيح، نجد تضامنًا سرّيًّا بين الّذين انتقلوا إلى الحياة الأخرى وبيننا نحن الحجّاج في هذه الحياة: إنَّ أحبّاءنا الموتى يواصلون الاعتناء بنا من السّماء، هم يصلّون من أجلنا ونحن نصلّي من أجلهم.
نختبر رباط الصّلاة هذا هنا، في الحياة الأرضيّة: نصلّي من أجل بعضنا البعض، نطلب الصّلوات ونقدّمها... إنَّ أوّل طريقة للصّلاة من أجل شخص ما هي التّحدّث إلى الله عنه أو عنها. إذا فعلنا هذا بشكل متواتر ويوميّ لن ينغلق قلبنا أبدًا وسيبقى مفتوحًا على الإخوة. إنَّ الصّلاة من أجل الآخرين هي أوّل طريقة لكي نحبّهم وهي تدفعنا إلى القرب الملموس. إنَّ الطّريقة الأولى لمواجهة زمن الشّدّة هي أن نطلب من الإخوة، ولاسيّما من القدّيسين، أن يصلّوا من أجلنا. إنَّ الاسم الّذي أُعطي لنا في المعموديّة ليس مُلصقًا للتّصنيف أو زينة! عادة ما يكون اسم العذراء أو اسم قدّيس أو قدّيسة، وهم لا ينتظرون سوى أن "يمدُّوا يد العون لنا" لكي نحصل من الله على النّعم الّتي نحن بأمسِّ الحاجة إليها. إذا كانت التّجارب في حياتنا لم تتجاوز الذّروة، وإذا كنّا لا نزال قادرين على المثابرة، وإذا كنّا على الرّغم من كلّ شيء نمضي قدمًا بثقة، فربّما نحن ندين بهذا كلّه، لا لاستحقاقاتنا، وإنّما لشفاعة العديد من القدّيسين، بعضهم في السّماء، والبعض الآخر هم حجّاج مثلنا على الأرض، الّذي يحفظوننا ويرافقوننا.
ليكن مبارك إذًا يسوع المسيح، مخلّص العالم الوحيد، مع هذا الجوق الهائل من القدّيسين والقدّيسات، الّذين يملؤون الأرض والّذين جعلوا من حياتهم تسبيحًا لله. لأنّ القدّيس– كما يؤكّد القدّيس باسيليوس– "يقدّم نفسه لكي يقيم مع الله وهو يُدعى هيكله".