الفاتيكان
16 أيلول 2020, 10:20

البابا فرنسيس: على كلّ فرد أن يصبح حارسًا للبيت المشترك

تيلي لوميار/ نورسات
"لكي نخرج من الوباء، نحتاج إلى أن نداوي أنفسنا ونداوي بعضنا البعض. كما يجب أن ندعم الّذين يعتنون بالأشخاص الأشدّ ضعفًا وبالمرضى والمسنّين"، بهذه التّوصية استهلّ البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعيّة في باحة القديس دامازو في القصر الرسولي بالفاتيكان، وقال نقلاً عن "فاتيكان نيوز":

"يلعب هؤلاء الأشخاص- الّذين يعبّر عنهم جيّدًا المصطلح الإسبانيّ -"cuidadores"دورًا أساسيًّا في مجتمع اليوم، حتّى لو لم يتلقّوا غالبًا التّقدير والمكافأة اللّذين يستحقّونهما. إنّ العناية بالآخرين هي قاعدة ذهبيّة لكوننا كائنات بشريّة، وهي تحمل في داخلها الصّحّة والرّجاء.

علينا أيضًا أن نوجّه هذه الرّعاية إلى بيتنا المشترك: إلى الأرض وإلى جميع المخلوقات. إنَّ جميع أشكال الحياة مترابطة ببعضها البعض، وصحّتنا تعتمد على صحّة النّظم البيئيّة الّتي خلقها الله وكلّفنا بعنايتها. أمّا الإساءة إليها فهي خطيئة جسيمة تضرّنا وتُجعلنا نمرض. أفضل ترياق لسوء الاستخدام هذا لمنزلنا المشترك هو التّأمّل. عندما لا تتعلّم كيف نتوقّف ونُعجب بما هو جميل ونقدّره، فلا يجب أن نستغرب من أن يتحوّل كلّ شيء إلى سلعة للاستخدام والاستغلال بدون أيّ هاجس. ومع ذلك، فإنّ بيتنا المشترك، أيّ الخليقة، ليس مجرّد "مورد". لأنَّ المخلوقات تملك قيمة في ذاتها وتعكس، كلّ خليقة على طريقتها، شعاعًا من حكمة الله اللّامتناهية وصلاحه. وبالتّالي علينا أن نكتشف هذه القيمة وهذا الشّعاع للنّور الإلهيّ، ولكي نكتشفهما، علينا أن نصمت ونصغي ونتأمّل.

بدون التّأمّل من السّهل أن نسقط في مركزيّة بشريّة غير متوازنة ومتعجرفة، تُضخِّم دورنا ككائنات بشريّة، وتجعلنا مُتسلِّطين مطلقين على جميع المخلوقات الأخرى. لقد ساهم تفسير مشوّه لنصوص الكتاب المقدّس حول الخلق في هذه النّظرة الخاطئة، ممّا أدى إلى استغلال الأرض لدرجة خنقها. نعتقد أنّنا في المحور، وندّعي بأنّنا نأخذ مكان الله؛ فندمّر هكذا الانسجام في تصميمه. ونصبح سلّابين مفترسين، وننسى دعوتنا كحرّاس للحياة. يمكننا ويجب علينا بالتّأكيد أن نعمل الأرض لكي نعيش وننمو، لكن العمل ليس مرادفًا للاستغلال، وهو يترافق دائمًا بالعناية: الحراثة والحماية والعمل والعناية... هذه هي مهمّتنا. لا يمكننا أن ندّعيَ مواصلة النّموّ على المستوى المادّيّ، بدون العناية بالبيت المشترك الّذي يستقبلنا. إنّ إخوتنا الأشدّ فقرًا وأمّنا الأرض يئنّون بسبب الضّرر والظّلم اللّذين تسبّبنا بهما، ويطالبوننا بمسار آخر.

لذلك من المهمّ أن نستعيد البعد التّأمّليّ، أيّ أن ننظر إلى الأرض والخليقة كعطيّة وليس كشيء يمكننا أن نستغلّه لمصلحتنا الشّخصيّة. وبالتّالي عندما نتأمّل نكتشف في الآخرين وفي الطّبيعة شيئًا أكبر بكثير من فائدتهم. نكتشف القيمة الجوهريّة للأشياء الّتي منحها الله لها. وكما علّم العديد من المعلِّمين الرّوحيّين، فإنّ السّماء والأرض والبحر وجميع الخلائق تملك هذه القدرة الرّوحيّة الّتي تعيدنا إلى الخالق وإلى الشّركة مع الخليقة. على سبيل المثال، يدعونا القدّيس أغناطيوس دي لويولا، في نهاية الرّياضة الرّوحيّة، لكي نمارس التّأمّل من أجل بلوغ الحبّ، أيّ أن نتأمّل في الطّريقة الّتي ينظر فيها الله إلى مخلوقاته ويفرح معها؛ ولكي نكتشف حضور الله في مخلوقاته، ونحبّها ونعتني بها بحرّيّة ونعمة.

إنَّ التّأمّل، الّذي يقودنا إلى موقف العناية، ليس مجرّد نظر إلى الطّبيعة من الخارج، كما ولو أنّنا لسنا منغمسين فيها. بل هو يتمّ انطلاقًا من الدّاخل، بالاعتراف بأنفسنا كجزء من الخليقة، وجاعلين من أنفسنا روّادًا وليس مجرّد متفرّجين إزاء واقع بدائيّ وغير متبلورٍ علينا فقط أن نستغلّه. إنّ الّذي يتأمّل بهذه الطّريقة يختبر الدّهشة ليس فقط لما يراه، وإنّما أيضًا لأنّه يشعر بأنّه جزء لا يتجزأ من هذا الجمال؛ ويشعر أيضًا أنّه مدعوّ لحراسته وحمايته. إنّ الّذي يعرف أن يتأمّل سيبدأ بسهولة في العمل من أجل تغيير ما يسبّب الانحلال والأذى للصّحّة، وسيلتزم في التّربية على عادات إنتاج واستهلاك جديدة وتعزيزها، وفي المساهمة في نموذج جديد لنموّ اقتصاديّ يضمن احترام البيت المشترك. عندما ينتقل الشّخص التّأمّليّ إلى العمل يصبح حارسًا للبيئة ويسعى لكي يجمع بين المعارف العريقة للثّقافات والمعارف التّقنيّة الجديدة، لكي يكون أسلوب حياتنا مستدامًا.

وختامًا إنَّ التّأمّل والعناية هما موقفان يظهران الطّريق لكي نصلح علاقتنا ككائنات بشريّة مع الخليقة وونعيد التّوازن إليها. والّذين يحافظون على هذه المسيرة يصبحون "حرّاسًا" للبيت المشترك، وحرّاسًا للحياة والرّجاء. فيحافظون على التّراث الّذي ائتمننا الله عليه، لكي تتمتّع به الأجيال القادمة. أفكّر بشكل خاصّ في الشّعوب الأصليّة، الّتي ندين لها جميعًا بالامتنان. لكنّني أفكّر أيضًا في تلك الحركات والجمعيّات والمجموعات الشّعبيّة الّتي تلتزم بحماية أراضيها بقيمها الطّبيعيّة والثّقافيّة. غالبًا ما لا يتمّ تقدير هذه الوقائع الاجتماعيّة، لا بل يتمّ إعاقتها أحيانًا؛ لكنّها في الواقع تساهم في ثورة سلميّة، يمكننا أن ندعوها "ثورة العناية".

وهذا الأمر لا يجب أن نفوّضه للبعض لأنّه مهمّة كلّ كائن بشريّ. يمكن لكلّ فرد منّا ويجب عليه أن يصبح "حارسًا للبيت المشترك"، قادرًا على رفع التّمجيد لله على مخلوقاته، وعلى التّأمّل بها وحمايتها."