البابا فرنسيس: سيروا قدمًا على خطى القدّيسين
كلام البابا جاء في كلمة توجّه بها إلى أعضاء المعهد خلال استقبالهم صباح الإثنين في قاعة بولس السّادس، فقال لهم بحسب "فاتيكان نيوز": "أتذكّر جيّدًا السّاعة الّتي قضيتها معكم في أسيزي. كُنتُ قد جئت لأتبع خطى القدّيس الّذي أخذت اسمه. إنَّ اللّقاء مع أطفالكم، الّذين حيَّيتهم واحدًا تلو الآخر، جعلني أعيش مجدّدًا، بطريقة ما، عناق الأخيرين الّذي ميَّز حياة القدّيس فرنسيس، والّذي جعل نفسه فقيرًا، على مثال يسوع، ليكون بشكل كامل في صفّ الأخيرين، وفي عناقه للأبرص نجد معنى حياته كلّها. ويقول في وصيّته إنّ ارتداده بدأ بذلك العناق. وإذ رأى يسوع في هؤلاء المرضى والمهمّشين، انحنى على جراحهم، ووضعهم في محور اهتمام المجتمع، الّذي كانت تُجربّه أيضًا "ثقافة الإقصاء" الّتي تجعل الثّروة تتركّز في أيدي القليلين، فيما يبقى الكثيرون على الهامش، ويُنظر إليهم على أنّهم عبء، وبالكاد لا يستحقّون الصدقة.
إنَّ القدّيس "Ludovico da Casoria" وكراهب فرنسيسكانيّ حقيقيّ قد فهم جيّدًا رسالة القدّيس فرنسيس، وفي محبّته السّخيّة والخلّاقة، لم يفكّر مرّتين عندما وفي رحلة حجّ إلى أسيزي، سمع في صلاته أمام المصلوب الصّوت الّذي أكّد له بـ"نعم" ثلاثيّة، إلهامه لتأسيس معهد مخصّص للمكفوفين والصّمّ والبكم، فئتان كانتا تفتقران في ذلك الوقت إلى الدّعم الاجتماعيّ الضّروريّ. منذ ذلك الحين، قام معهد الـ "Serafico" بخطوات كبيرة، ونما في تقديم خدماته في استضافة الشّباب الّذين يعانون من حالات إعاقات خطيرة ومتعدّدة، وتميَّز في الاحتراف الّذي يقوم به برسالته، وحصل على جائزة مستحقّة من الجماعة العلميّة.
لكنَّ الأهمَّ هو الرّوح الّتي تكرّسون بها أنفسكم جميعًا لهذه المهمّة. من الواضح، بالنّسبة لكم، كما ينبغي أن يكون للجميع، أنّ كلّ إنسان ثمين، وله قيمة لا تعتمد على ما لديه أو على قدراته، بل على حقيقة أنّه شخص بشريّ، وصورة الله... وإذا كان المرض أو الإعاقة يجعلان الحياة أكثر صعوبة، لكنّهما لا يجعلاها أقلّ استحقاقًا في أن تُعاش وأن تُعاش على أكمل وجه. كذلك، من منّا ليس لديه محدوديّاته، ولا يواجه، عاجلاً أم آجلاً، أشكال عجز وقصور خطيرة؟ وبالتّالي من المهمّ أن ننظر إلى الشّخص المعاق كواحد منّا، يجب أن يكون في محور اهتمامنا جميعًا وفي محور اهتمام السّياسة. إنّه هدف حضارة. ولذلك بتبنّينا لهذا المبدأ، نتنبّه أنّ الشّخص الّذي يعاني من إعاقة ما لا يتلقّى وحسب، بل يعطي أيضًا. وبالتّالي فالاعتناء به ليس بادرة باتّجاه واحد، وإنّما هي تبادل عطايا. نحن المسيحيّون نجد في إنجيل المحبّة- وأفكّر في مثل السّامريّ الصّالح- سببًا إضافيًّا لهذا كلِّه. لكن المبدأ ينطبق على الجميع، ولكونه محفورًا في الضّمير، هو يجعلنا نشعر بوحدتنا مع جميع الكائنات البشريّة، لأنّنا مرتبطون حقًّا برباط الأخوّة، كما أكّدتُ في الرّسالة العامّة "Fratelli tutti"، الّتي أردت أن أوقّعها في أسيزي. لذلك من الضّروريّ أن نعي بشكل كامل لهذا المبدأ وأن نطوّر نتائجه، حتّى عندما يتعلّق الأمر بتوزيع الغنى المشتركة، لكي لا يُحرم من المساعدة من هم في أمسّ الحاجة إليها.
أفكّر في العديد من الهيكليّات الّتي تؤدّي هذه الخدمة، مثلكم، وفي بعض الأحيان تكافح من أجل البقاء أو لكي تقدّم خدمتها بأفضل شكل ممكن. وبالتّالي هناك حاجة إلى تضامن العديد من الأشخاص، كما هو الحال مع المحسنين الّذين يساعدونكم. ليباركهم الرّبّ على قلبهم الطّيّب. لكن يجب على الدّولة والإدارة العامّة أن تقوما بدورهما أيضًا، إذ لا يمكنهما أن تتركا العديد من العائلات بمفردها، لكي تجد أنفسها مُجبرة على الكفاح من أجل إعالة أبناء يواجهون صعوبات، مع قلق كبير للمستقبل الّذي ينتظرهم عندما لا يعودون قادرين على متابعتهم. لقد مررتم بأوقات عصيبة في فترة الوباء هذه. لكن حقيقة أنّكم نظّمتم أيضًا رحلة إلى روما مع مجموعة كبيرة من شبابكم- ويمكنني أن أتخيّل الصّعوبة- تعطيني مقياسًا لالتزامكم وحماسكم.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، سيروا قدمًا على خطى القدّيسين. وليكُن لعملكم على الدّوام طعم الرّسالة وفرحها وكلّ ابتسامة من ابتسامات الشّباب الّذين تعتنون بهم ستكون ابتسامة الله لكم".