الفاتيكان
04 أيار 2022, 13:30

البابا فرنسيس: ربّما يعود الأمر إلينا نحن المسنّين لكي نعيد للإيمان كرامته

تيلي لوميار/ نورسات
متحدّثًا عن كرامة الإيمان في تعليمه الأسبوعيّ، خلال المقابلة العامّة الّتي تتابع الإضاءة على الشّيخوخة، أشار البابا فرنسيس إلى دور المسنّين في إعادة الكرامة للإيمان، مؤكّدًا أنّ "ممارسة الإيمان ليست رمزًا لضعفنا، بل هي علامة على قوّتها. نحن لم نعد أولادًا. ولم نكن نمزح عندما انطلقنا على درب الرّبّ!".

وفي تعليمه قال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "في مسيرة التّعليم المسيحيّ حول الشّيخوخة، نلتقي اليوم بشخصيّة بيبليّة تُدعى العازار، عاش في زمن اضطهاد أنطيوخوس إبيفانيوس. تُقدِّم لنا شخصيّته شهادة عن العلاقة الخاصّة القائمة بين أمانة الشّيخوخة وكرامة الإيمان. أريد أن أتكلّم بالتّحديد عن كرامة الإيمان، وليس فقط عن الصّدق، والإعلان، ومقاومة الإيمان. تخضع كرامة الإيمان بشكل دوريّ لضغوط، حتّى عنيفة، من قبل ثقافة الحكّام، الّتي تسعى إلى الحطّ من شأنه من خلال التّعامل معه كاكتشاف أثريّ، وخرافة قديمة، وعناد غير مناسب للعصر.

تُخبر الرّواية البيبليّة- الّتي سمعنا فقرة منها- عن حادثة اليهود الّذين أُجبِروا بأمر من الملك على أكل لحم التّضحية للأوثان. وعندما جاء دور العازار، الّذي كان شيخًا يحظى باحترام الجميع، نصحه ضبّاط الملك بالادِّعاء، أيّ بأن يتظاهر بأنّه يأكل من لحم الضّحايا الّتي أمر بها الملك دون أن يفعل ذلك في الواقع. وهكذا كان من الممكن لألعازار أن يخلُص- وكانوا يقولون- إنّه ينال منهم الجميل لأجل مودّته القديمة لهم. ففي النّهاية- كانوا يُصرّون- كان ذلك مجرّد تصرُّف صغير وغير مهمّ.

يقوم جواب العازار الهادئ والحازم على موضوع يلفت انتباهنا. النّقطة الرّئيسيّة هي: إهانة الإيمان في الشّيخوخة، لكسب حُفنةٍ من الأيّام، لا يمكن مقارنتها بالإرث الّذي يجب أن نتركه للشّباب، لأجيال كاملة سوف تأتي. رجل مُسنٌّ عاش بصدقٍ إيمانه طول حياته، هو الآن يتكيّف مع التّظاهر برفض هذا الإيمان، ويحكم على الجيل الجديد بأن يعتقد أنّ الإيمان بأسره كان مجرّد ادّعاء، غطاء خارجيّ يمكن التّخلّي عنه، مُعتقدًا أنّه بإمكانه أن يحتفظ به في داخله. ولكن ليس الأمر كذلك، يقول العازار. لأنَّ هذا السّلوك لا يُشرِّف الإيمان، ولا حتّى أمام الله؛ وتأثير هذا الاستخفاف الخارجيّ سيكون مدمّرًا لحياة الشّباب الدّاخليّة.

تَظهَر الشّيخوخة هنا بالتّحديد على أنّها المكان الحاسم الّذي لا يمكن الاستغناء عنه لهذه الشّهادة. شخص مُسنّ، وبسبب هشاشته، يقبل بأن يعتبر ممارسة الإيمان غير مهمّة، من شأنه أن يجعل الشّباب يعتقدون أنّ الإيمان ليس له أيّة علاقة حقيقيّة بالحياة. وسيبدو لهم، منذ بدايته، كمجموعة من التّصرُّفات الّتي، وإذا لزم الأمر، يمكن التّظاهر بها أو إخفائها، لأنّه لا يوجد أيّ تصرُّفٍ منها ذات أهمّيّة للحياة. إنَّ الغنوصيّة القديمة غير الأرثوذكسيّة، الّتي كانت فخًّا قويًّا ومغريًا للمسيحيّة في القرون الأولى، كانت تقدِّم هذه النّظريّة: أنّ الإيمان هو روحانيّة، وليس ممارسة؛ قوّة عقل، وليس شكلاً من أشكال الحياة. وبالتّالي ووفقًا لهذه البدعة، فإنّ الأمانة وكرامة الإيمان لا علاقة لهما بتصرّفات الحياة، ومؤسّسات المجتمع، ورموز الجسد. لقد كان إغراء هذا المنظور قويّ، لأنّه يفسّر، بطريقته الخاصّة، حقيقة لا جدال فيها: لا يمكن اختزال الإيمان إلى مجموعة من القواعد الغذائيّة أو الممارسات الاجتماعيّة. والمشكلة هي أنّ التّطرّف الغنُّوصيّ لهذه الحقيقة يبطل واقعيّة الإيمان المسيحيّ، لأنّ الإيمان المسيحيّ واقعيّ، وهو ليس فقط أن نقول فعل الإيمان وإنّما أن نفكّر به ونشعر به ونعمل به بأيدينا. أمّا هذا الاقتراح الغنّوصيّ بالادِّعاء والتّظاهر فهو ليس مسيحيًّا، ويُفرغ شهادة الأشخاص الّتي تُظهِر علامات الله الملموسة في حياة الجماعة.

تبقى التّجربة الغنُّوصيّة آنيّة على الدّوام. ففي العديد من نزعات مجتمعنا وفي ثقافتنا، تخضع ممارسة الإيمان لتمثيل سلبيّ، أحيانًا تحت شكل سخرية ثقافيّة، وأحيانًا أخرى من خلال تهميش خفيّ. فتعتبر ممارسة الإيمان مظهرًا خارجيًّا عديم الفائدة لا بل ضارًّا، كبقايا قديمة وكخرافة مُقَنَّعَة. بإختصار، أمرٌ للمُسنِّين. إنَّ الضّغط الّذي يمارسه هذا النّقد العشوائيّ على الأجيال الشّابّة قويّ جدًّا. نحن نعلم بالطّبع، أنّه يمكن لممارسة الإيمان أن تصبح مظهرًا خارجيًّا بلا روح. ولكنّها في حدّ ذاتها ليست كذلك على الإطلاق. ربّما يعود الأمر إلينا نحن المُسنّين لكي نُعيد للإيمان كرامته. إنّ ممارسة الإيمان ليست رمزًا لضعفنا، بل هي علامة على قوّتها. نحن لم نعد أولادًا. ولم نكن نمزح عندما انطلقنا على درب الرّبّ!

إنَّ الإيمان يستحقّ الاحترام والكرامة: لقد غيّر حياتنا، وطهّر أذهاننا، وعلّمنا عبادة الله ومحبّة القريب. إنّه بركة للجميع! فلا نُقايضنَّ الإيمان بحُفنةِ أيّامٍ هادئة. وإنّما لنظهر بكلّ تواضع وحزم، وبالتّحديد في شيخوختنا، أنّ الإيمان ليس أمرًا "للمُسنّين". والرّوح القدس، الّذي يجعل كلّ شيء جديدًا، سوف يساعدنا بكلّ سرور. أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لكي لا أقول مُسنّين، نحن في المجموعة عينها، من فضلكم، لننظر إلى الشّباب: إنّهم ينظرون إلينا. هم ينظرون إلينا. لا ننسينَّ هذا الأمر أبدًا. يبادر إلى ذهني فيلم من مرحلة ما بعد الحرب وهو جميل جدًّا: "الأطفال ينظرون إلينا". يمكننا أن نقول الشيء نفسه مع الشّباب: إنَّ الشباب ينظرون إلينا وصدق حياتنا يمكنه أن يفتح لهم درب حياة جميل. أمّا أيّ نفاق فسوف يضرُّ بهم كثيرًا. لنصلِّ من أجل بعضنا البعض. وليباركنا الله جميعًا نحن المسنّين".