الفاتيكان
08 أيلول 2018, 05:00

البابا فرنسيس: حياة المجتمع ليست محصلة الحياة الفرديّة لأعضائه بل هي نموّ الجماعة

أجرت جريدة "Il Sole 24 ore" التّابعة لرابطة رجال الأعمال الإيطاليين مقابلةً مع البابا فرنسيس نُشرت اليوم 7 أيلول سبتمبر، وتطرّق فيها إلى مواضيع مختلفة؛ بدءًا من علاقات الفرد بالجماعة وثقافة الإقصاء إلى عبادة المال والنّظام الاقتصاديّ الحاليّ واحترام البيئة، مروراً بالعمل ومشاكله ونشاط الشّركات وظاهرة الهجرة وغيرها؛ فقال بحسب الفاتيكان نيوز.

"انّ حياة المجتمع ليست محصلة الحياة الفرديّة لأعضائه بل هي نموّ الجماعة. وانّ الدّمج وشمل الجميع والذي يتطلّب أوّلاً النّظر إلى البشريّة باعتبارها عائلة واحدة. وفي حال اعتبار الجماعة التي نعيش فيها عائلتنا، فسيصبح من السّهل تفادي المنافسة واختيار المساعدة المتبادلة. وانّ مساهمة التّقنيّات الحديثة والعلوم له دور في تسريع الأفعال، إلا أنّ القلب الذي هو للإنسان بالتّميُّز هو ما يضيف عنصر المحبّة إلى العلاقات وداخل المؤسّسات.

أمّا في ما يتقلّق بالإقصاء، فمن الضّروريّ ايضاح معنى هذه الكلمة، حيث لا يقتصر الأمر على الاستبعاد والإجحاف، فحين نمارس الإقصاء نُوجّه ضربة إلى علاقات الانتماء إلى المجتمع في جذورها، ومَن يتعرض للإقصاء ليس شخصا يُستغل؛ بل هو شخص مرفوض بالكامل. وانّ اقتصاداً بمثل هذه التّركيبة، هو اقتصاد يقتل لأنّه يضع في مركزه المال ويطيعه، وحين لا يعود الإنسان في المركز ويصبح الهدف الأوّل والوحيد كسب المال، فإنّنا نصبح خارج الأخلاقيّات، ونؤسّس تركيبة من الفقر والعبوديّة والإقصاء. وليس هذا النّموذج الأخلاقيّ صديقاً للإنسان. فحين نفقد القدرة على الانتباه إلى صرخات ألم الآخرين، أمّا الأخلاقيّات الصّديقة للإنسان؛ فهي الحافز لارتداد نحن في حاجة إليه. غياب الوعي بالأصل المشترك، بالانتماء إلى جذور مشتركة للبشريّة، وإلى مستقبل علينا بناؤه معاً. وهذا الوعي الأساسيّ يسمح بتطوير قناعات جديدة وأساليب حياة جديدة.

 

ولا بدّ الاشارة الى أهميّة الشّخص البشريّ في النّظام الاقتصاديّ، فبدونه لا يمكن لأيّ نشاط أن يتمّ. ومن هتا تأتي أهميّة العمل، فهو الذي ينتج المال. وانّ الخطأ هو اختيار النّظام الاقتصاديّ الحاليّ أي اعتبار المال هو مَا ينتج المال، كما أنّ العمل، لا المال، هو ما يمنح الإنسان الكرامة. وعن البطالة في الدّول الأوروبيّة، إنّها نتاج نظام اقتصاديّ لم يعد قادراً على خلق العمل، لأنّه وضع في المركز إلهاً اسمه المال. يجب علينا بالتّالي، العمل معاً على أن تكون العائلات، أن يكون الأشخاص، في المركز.

كما يجب التّشديد على مواضيع هامّة بالنسبة للبعد الجماعيّ للشّركات مثل توزيع الثّروة، المسؤوليّة الاجتماعيّة، التّوفيق بين أوقات العمل وأوقات الحياة، اندماج الشّركة في منطقة العمل، مساواة الرّجال والنّساء في الأجور، القدرة على التّجديد وغيرها. ويجب أن نتذكّر، في هذا السّياق، ما كتب البابا الطّوباويّ بولس السّادس في الرّسالة العامّة "ترقّي الشّعوب" عن ضرورة أن تكون التّنمية متكاملة، تعزّز الإنسان في كافة جوانبه.

وللشّركات  قدرة على الإسهام في احتفاظ العمل بكرامته، وذلك بالاعتراف بكون الإنسان أهمّ الموارد بالنّسبة للشّركة، بالعمل من أجل الخير العام والانتباه إلى الفقراء.

ومن جهة أخرى لا بدّ من التّأكيد على ضرورة احترام البيئة والأرض والاهتمام بالإيكولوجيا المتكاملة، وذلك أمام ما نشهد منذ فترة طويلة من استغلال للأرض من قِبل الإنسان بدلاً من أن يكون حارساً لها. وانّ الحديث عن البيئة يعني دائماً الحديث عن الإنسان، وأدعو إلى تنشئة على وعي إيكولوجي جديد، ما يستدعي أساليب حياة جديدة من أجل مستقبل متناغم وتعزيز تنمية متكاملة، تقليص اللامساواة، اكتشاف الرّباط بين المخلوقات والابتعاد عن الاستهلاكيّة.

أمّا في ما يتعلّق بالهجرة، فإنّ المهاجرين يشكّلون تحدّياً كبيراً بالنّسبة للجميع. ولا يمكن أن يكون هناك مستقبل يسوده السّلام بدون قبول الاختلاف، بدون التّضامن، وبدون التّفكير في البشريّة باعتبارها عائلة واحدة. ومن الطّبيعيّ للمسيحيّ أن يرى يسوع في كلّ شخص، كما أنّ المسيح نفسه يدعونا إلى إيواء الغريب. وفي هذا السّياق، نتذكّر مبادرة "شارك في الرّحلة". وانّ الرّحلة هنا يقوم بها طرفان، مَن يأتي إلى بيتنا، ثمّ نحن حين نتوجّه نحو قلوب هؤلاء كي نفهمهم ونفهم ثقافتهم ولغتهم بدون تجاهل الإطار الحاليّ.

 ويجب ألا نخشى مقاسمة هذه الرّحلة ومقاسمة الرّجاء. كما أُريد أن ألفت نظر الشّركات والمؤسّسات في أوروبا إلى إمكانيّة الاستثمار في الدّول التي يأتي منها المهاجرون؛ وذلك في مجال التّنشئة والتّأهيل، سواء في المدارس أو لتطوير أنظمة ثقافيّة، وفي المقام الأوّل في مجال العمل.

 

أمّا في ما يخصّ الشّعبية التي تحظى بها في إيطاليا القوى السّياسيّة التي لا تشاركني رؤيتي حول استقبال المهاجرين، فانّ الرّد على طلب المساعدة لم يكن كافياً، وها نحن اليوم نبكي آلاف القتلى. فالصّمت أمام ما يحدث، وانّ الله الذي يَعد المثقلين بالرّاحة يحتاج إلى أعيننا وأيادينا، وفي المقام الأوّل إلى قلوبنا للتّعبير عن محبّة الله الرّحيمة للآخِرين. وأدعوكم إلى عدم التّوقّف عن أن نكون شهوداً للرّجاء، وأن نفتح آفاقنا بدون أن نستهلك أنفسنا في التّخوّف من الحاضر. ومن الضّروريّ أيضاً أن يحترم المهاجرون ثقافة وقوانين الدّول التي تستضيفهم. والوعي بأنّ الاستقبال ليس أمرا ًسهلاً، خاصّةً وأنّه يجب أن يُرافَق بالحماية والتّعزيز والدّمج."