البابا فرنسيس: تواضع وبساطة القلب والفرح، هذا هو الدّرب لأخوّة مُبشّرة
وفي هذا السّياق، قال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "لقد التزمتم في هذه الأيّام بأعمال المجمع العامّ، أعبّر عن أطيب تمنّياتي للّذين تمَّ انتخابهم لخدمة الإدارة وأشارك في امتنانكم للّذين قد أتمَّوها.
يشكّل المجمع العامّ بشكل خاصّ وقفة تمييز جماعيّ: بمساعدة الرّوح القدس نحاول أن نرى ما إذا كنّا أمناء للموهبة وإلى أيّ مدى، وفي ما يدفعنا الرّوح القدس لكي نمضي به قدمًا وما يطلب منّا أن نغيِّره. إنّها إحدى أجمل وأقوى الخبرات "الكنسيّة" الّتي أُعطي لنا أن نعيشها: أن نضع أنفسنا معًا في الإصغاء إلى الرّوح القدس ونقدّم له المواقف الملموسة والأسئلة والمشاكل... هذا ما نقرأه في كتاب أعمال الرّسل، حول الجماعات الأولى، وما نحن مدعوّون لكي نعيشه مجدّدًا في حاضر الكنيسة والعالم. والآن، أيّها الإخوة الأعزّاء، أودّ أن أغتنم هذه الفرصة لأعيد التّأكيد على معيار أعتبره ضروريًّا في التّمييز: معيار البشارة. عندما نسأل أنفسنا عن أمانتنا المُبدِعة للموهبة الأصليّة، علينا أن نسأل أنفسنا ما إذا كان أسلوبنا في تفسيرها وتنفيذها هو "مُبشِّر"، أيّ ما إذا كانت الخيارات الّتي نقوم بها- من حيث المحتويات، والأساليب، والأدوات، ونمط الحياة- موجّهة نحو الشّهادة وإعلان الإنجيل. نحن نعلم أنّ المواهب تختلف بطبيعتها وأنّ الرّوح القدس يخلقها ويوزّعها على الدّوام بإبداع وتنوّع. لكن هناك أمر واحد مؤكّد: إنَّ المواهب، كما يعلّم القدّيس بولس، هي كلّها لبنيان الكنيسة، وبما أنّ الكنيسة ليست غاية في حدّ ذاتها بل هدفها هو التّبشير، يترتّب على ذلك أنّ كلّ موهبة، بدون أيّ استثناء، يمكنها وعليها أن تساعد في البشارة. وهذا أمر يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار عند التّمييز.
بالنّظر إلى هذا المبدأ، لا يفيدنا أن نسهب في نظريّات مجرّدة، ولكن من الأفضل أن نتعلَّم من القدّيسين: وفي حالتكم، القدّيس جيوفاني ليوناردي، والقدّيس جوزافات والقدّيس منصور دي بول. ففي تنوّعهم بالتّحديد، هم يُظهرون ما معنى أن تكونوا "مبشّرين بالرّوح": مبشّرون يصلّون ويعملون. من وجهة نظر البشارة، لا توجد حاجة إلى اقتراحات صوفيّة بدون التزام اجتماعيّ وإرساليّ قويّ، ولا إلى خطابات وممارسات اجتماعيّة ورعويّة بدون روحانيّة تحوّل القلب. إنَّ شهادة القدّيسين والقدّيسات تؤكّد لنا أنّه "من الضّروريّ دائمًا أن نعزّز فسحة داخليّة تُعطي معنى مسيحيًّا للالتزام والنّشاط. بدون وقفات طويلة من السّجود للقربان المقدّس، ولقاء مُصلّي مع الكلمة، وحوار صادق مع الرّبّ، تُفرغ المهام بسهولة من معناها، ونضعف بسبب التّعب والصّعوبات، وتنطفئ الحماسة.
كرهبان أنتم مدعوّون لكي تبشّروا، بالإضافة إلى البشارة على المستوى الشّخصيّ، مثل كلّ معمَّد، بشكل جماعيٍّ أيضًا، من خلال الحياة الأخويّة. هذه هي الدّرب الرّئيسيّة لكي تظهروا انتماءكم للمسيح، لأنّه هو نفسه قد أكّد لأتباعه: "إذا أحبّ بعضكم بعضًا عرف النّاس جميعًا أنّكم تلاميذي". لكنّنا نعلم جيّدًا، أيضًا من الخبرة، كم هو ملزم هذا الأمر: إنّه التّحدّي الكبير للحياة المشتركة، الّذي لا يمكن لذهنيّة العالم أن تفهمه، ولكن، لهذا السّبب تحديدًا، هو علامة لملكوت السّماوات. إنّه يتطلّب موقفًا يوميًّا من الارتداد، والسّهر على القساوة والتّشدّد وكذلك على التّسامح المُفرِط والمريح. لكنَّ الأمر يتطلّب بشكل خاصّ تواضع وبساطة القلب، اللّذين لا يجب أن تتوقّف أبدًا عن طلبهما من الله، لأنّهما يأتيان منه. بالنّسبة لنا، في الواقع، على عكس أمّنا القدّيسة، لدينا الخطيئة الأصليّة، وبالتّالي فتواضع وبساطة القلب ليسا عطايا "طبيعيّة"، بل عمل النّعمة الإلهيّة فينا، الّتي يجب علينا أن نقبلها دائمًا ونجدّدها في مسيرة الحياة وفي السّياقات العلائقيّة المختلفة. هناك، في بوتقة العلاقات، تتمُّ غربلة قلوبنا ومع التزام كلّ فرد، يمكن أن تتشكّل شهادة إخوة جميلة. أخوَّة حرَّة، لها طعم التّنوّع والبحث عن تناغم إنجيليّ أكبر. كما هو الحال في الأوركسترا الّتي تحتوي على العديد من الآلات، حيث لا تكون مهارة العازفين المنفردين أساسيّة، وإنّما قدرة كلّ فرد منهم على الاستماع إلى جميع الآخرين من أجل خلق أفضل انسجام ممكن.
من هنا يأتي الفرح. الفرح الحقيقيّ وليس ابتسامة مصطنعة. فرح أن نكون للمسيح وأن نكون كذلك معًا بمحدوديّتنا وخطايانا. فرح أن يكون الله قد غفر لنا ومقاسمة هذه المغفرة مع الإخوة. إنَّ هذا الفرح لا يمكن إخفاؤه، لأنّه يظهر للعلن وهو مُعدٍ. إنّه فرح القدّيسين والقدّيسات الّذين، إذا كانوا مؤسّسين، فهم ليسوا كذلك بالولادة. لا يولد المرء مؤسِّسًا بل يصبح كذلك عن طريق الانجذاب: بالمعنى المزدوج أنّ المسيح يجذب أوّلاً ذلك الرّجل أو تلك المرأة إليه؛ وهكذا يجعله قادرًا على جذب الآخرين إليه: إنَّ القدّيس لا يجذب الأشخاص إلى نفسه وإنّما دائمًا إلى الرّبّ. وبالتّالي تواضع وبساطة القلب وفرح. هذا هو الدّرب لأخوَّة مُبشِّرة.
أيّها الإخوة الأعزّاء، أصلّي إلى الرّوح القدس لكي يهبكم مواهبه بوفرة، لكي تتمكّنوا من أن تميِّزوا ما يقترحه عليكم، ولكي يمنحكم القوّة لمواجهة التّحدّيات والثّبات في خدمتكم الكنسيّة. لتحميكم مريم العذراء ولتساعدكم وتكون المرشد الأمين لمسيرتكم. أبارككم جميعًا مع معاهدكم، وأطلب منكم من فضلكم ألا تنسوا أن تصلّوا من أجلي."