الفاتيكان
25 أيار 2022, 11:50

البابا فرنسيس تعليقًا على مأساة تكساس: كفى للاتجار بالسّلاح!

تيلي لوميار/ نورسات
"لقد حان الوقت كي نقول كفى للاتجار بالسّلاح بدون قواعد، ولنعمل جميعًا كي لا تحدث بعد مثل هذه المآسي". بهذه الكلمات عبّر البابا فرنسيس عن ألمه تجاه المأساة الّتي ألمّت بالمدرسة الابتدائيّة في يوفالد- ولاية تكساس الأميركيّة، حيث أطلق شابّ النّار مسفرًا عن مقتل 21 شخصًا من بينهم 18 طفلاً، وأكّد صلاته من أجل الأطفال والبالغين الضّحايا وعائلاتهم.

تعليق البابا هذا جاء عقب تعليمه الأسبوعيّ الّذي ألقاه صباحًا خلال المقابلة العامّة، والّذي تمحور حول حكمة الشّيخوخة منطلقًا من سفر الجامعة الّذي وصفه بجوهرة أخرى يتضمّنها الكتاب المقدّس، فقال بحسب "فاتيكان نيوز": "إنّ القراءة الأولى لهذا السّفر قد تسبّب القلق لتكرار الحديث عن أنّ كلّ شيء باطل، ضباب ودخان وفراغ، وإنّه من المثير للدّهشة أن نجد في الكتاب المقدّس مثل هذه التّعابير الّتي تضع محلّ النّقاش معنى الحياة. إنّ الانتقال المستمرّ في هذا السّفر بين المعنى واللّامعنى ما هو إلّا تصوير ساخر لمعرفة بالحياة بعيدة عن الشّغف بالعدالة الّتي يضمنها حكم الله. وتشير خاتمة هذا السّفر إلى طريق الخروج من الاختبار: "إتَّقِ الله واحفظ وصاياه، فإنّ هذا هو الإنسان كلّه" (12، 13).

وأمام واقع يبدو لنا في بعض اللّحظات أنّ فيه كلّ المتناقضات، والّتي مصيرها ألّا تقود إلى شيء، قد تبدو اللّامبالاة لنا نحن أيضًا الحلّ الوحيد لخيبة أمل مؤلمة، ونتساءل على سبيل المثال هل غيّرت جهودنا العالم؟ وهل هناك مَن بإمكانه أن يضمن التّفرقة بين الصّالح وغير الصّالح؟ وإنّ الشّيخوخة تجعل اللّقاء بخيبة الأمل أمرًا حتميًّا تقريبًا، وبالتّالي فإنّ من الهامّ في هذه المرحلة مقاومة النّتائج المحبطة لخيبة الأمل هذه. في حال احتفظ المسنّون بشغفهم بالبِرّ فسيكون هناك رجاء للمحبّة وأيضًا للإيمان."  

وسلّط الأب الأقدس الضّوء على المرور بهذه الأزمة في العالم المعاصر، وقال: "إنّ ثقافة تعتقد أنّ بإمكانها قياس كلّ شيء والتّلاعب به ينتهي بها الأمر إلى أن تسفر عن تثبيط جماعيّ للعزيمة فيما يتعلّق بالمعنى والمحبّة والخير.  

إنّ تثبيط العزيمة هذا ينزع عنّا الرّغبة في العمل، وإنّ حقيقة "مفترضة" تقتصر على تسجيل العالم تسجّل أيضًا لامبالاته أمام المتناقضات وتُسلِّمها، بدون فداء، إلى تدفّق الزّمن ليكون مصيرها اللّاشيء." وتحدّث الأب الأقدس هنا عن البحث الحديث عن الحقيقة بهذا الشّكل غير الحسّاس وغير الأخلاقيّ والمختبئ خلف أسلوب علميّ، فقال: "إنّ هذا البحث قد مال إلى الابتعاد تمامًا عن الشّغف بالبِرّ، لم يَعد يؤمن بمصيره، بالوعد. إنّ ظهور هذا المنطق المتهكّم الّذي يجمع بين المعرفة واللّامسؤوليّة يشكّل ضربة مضادّة قويّة بالنّسبة لثقافتنا الحديثة، والّتي تريد أن تسلِّم كلّ شيء للمعرفة الدّقيقة. إنّ المعرفة الّتي تعفينا من الأخلاقيّات تبدو للوهلة الأولى مصدر حرّيّة وطاقة ولكنّها تتحوّل سريعًا إلى شلل للنّفس".

ثمّ عاد إلى سفر الجامعة فقال: "إنّه يكشف هذا التّوجه نحو معرفة كلّيّة القدرة، جنون كلّيّة العلم، الّذي يولِّد عجزًا للإرادة... إنّ نسّاك التّقاليد المسيحيّة الأولى قد حدّدوا بدقّة مرض النّفس هذا والّذي يكشف فجأة باطل معرفة بدون إيمان وبدون أخلاقيّات، وهْم الحقيقة بدون بِرّ، فقد أطلقوا على هذا المرض اسم "التّراخي". إنّ هذا لا يعني مجرّد كسل أو اكتئاب، بل هو بالأحرى استسلام أمام معرفة العالم وفقدان محبّة البِرّ وما يترتّب عليها من أفعال.

وعن ضرر فراغ المعنى والقوّة النّاتج عن هذه المعرفة الرّافضة لكلّ مسؤوليّة أخلاقيّة وكلّ شغف بالخير الحقيقيّ، أضاف: "إنّ هذا الفراغ لا ينزع فقط القوّة عن السّعي إلى الخير، بل ويفتح الباب أمام عدوانيّة قوى الشّرّ... لقد أصبحنا بالفعل، ورغم كلّ ما لدينا من تقدّم ورخاء، مجتمع "التّعب". لقد كان علينا أن نُنتج رخاءً منتشرًا بينما نقبل بسوق اختياريّ للصّحّة على أساس علميّ، كان علينا أن نضع حدودًا للسّلام لا يمكن تجاوزها بينما نرى تتابع حروب أكثر شراسة إزاء الأشخاص العزّل. إنّ العلم يتقدّم وهذا أمر جيّد إلّا أنّ حكمة الحياة هي شيء آخر."

وفي الختام، أكّد البابا أنّ "هذا المنطق الخالي من المشاعر ومن المسؤوليّة ينزع الحسّ والطّاقة عن معرفة الحقيقة أيضًا. وليس من الصّدفة بالتّالي أنّنا نعيش اليوم عصر الأنباء الكاذبة والخرافات الجماعيّة والحقائق مدّعية الانطلاق من العلم. إنّه من الطّريف أن تنتشر في ثقافة المعرفة هذه، الّتي تدَّعي معرفة كلّ شيء ودقّة المعرفة، شعوذة، شعوذة مثقّفة إلّا أنّها تقود إلى الخرافات. إنّ بإمكان الشّيخوخة التعلّم من سفر الجامعة الحكمة السّاخرة والقدرة على كشف الخداع المختبئ في جنون حقيقة هي ثمرة فكر مفتقد إلى المشاعر والبِرّ. إنّ حكمة المسنّين وما يتمتّعون به من حسّ الفكاهة هما مفيدان للشّباب حيث ينقذانهما من معرفة العالم، تلك المعرفة الحزينة الخالية من حكمة الحياة. كما وتعيد حكمة المسنّين الشّباب إلى وعد يسوع: طوبى للجياع والعطاش إلى البِرّ فإنّهم يُشبعون."