الفاتيكان
13 كانون الأول 2022, 06:00

البابا فرنسيس: تطلب منّا العذراء مريم أن نسمح لها بأن تكون أمّنا وأن نفتح حياتنا لابنها يسوع ونقبل رسالته

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة الاحتفال بعيد العذراء مريم سيّدة غوادالوبي شفيعة أميركا اللّاتينيّة، ترأّس البابا فرنسيس عصر الإثنين قدّاسًا إلهيًّا في بازيليك القدّيس بطرس، شكر خلاله الله على إرساله أمّه الكلّيّة القداسة إلى القارّة الأميركيّة، وهي "لا تزال تسهر علينا وتظهر لنا حنانها الوالديّ وتعزيتها ومساعدتها".

"إنّ إلهنا يرشد تاريخ البشريّة في كلّ لحظة، ولا شيء يبقى خارج سلطته، الّتي هي الحنان والمحبّة. هو يحضر من خلال لفتة أو حدث أو شخص. لا يتوقّف أبدًا عن النّظر إلى عالمنا المعوز والجريح لكي يساعده بشفقته ورحمته. إنّ أسلوبه في التّدخّل وفي إظهار ذاته، يفاجئنا على الدّوام ويملأنا بالفرح. وتقدّم لنا قراءة الرّسالة إلى أهل غلاطية مؤشّرًا دقيقًا يساعدنا لكي نتأمَّل بامتنان في خطّته لكي يفتدينا ويجعلنا أبناءه بالتّبنّي: "فلمّا تمّ الزّمان، أرسل الله ابنه مولودًا لامرأة".

نعم، إنَّ مجيء الابن في جسد بشريّ هو التّعبير الأسمى لأسلوبه الإلهيّ لصالح خلاصنا. فالله، الّذي أحبّ العالم كثيرًا، أرسل لنا ابنه "مولودًا لامرأة"، لكي "لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة". وهكذا، في يسوع، الّذي ولد من مريم، يدخل الأزليُّ في هشاشة زمننا، ويصبح إلى الأبد وبلا رجعة "الله معنا" ويسير إلى جانبنا كأخ ورفيق. لقد جاء ليبقى. لا شيء ممّا هو لنا هو غريب بالنّسبة له لأنّه "واحد منّا"، قريب، صديق، ومساوٍ لنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة. وشيء مشابه حصل لخمسة قرون خلت تقريبًا، في لحظة معقّدة وصعبة لسكّان العالم الجديد، أراد الرّبّ أن يحوِّل الاضطراب الّذي أحدثه اللّقاء بين عالمين مختلفين في استعادة المعنى والكرامة، إلى انفتاح على الإنجيل. وقد فعل ذلك بإرسال مريم، أمّه، وفقًا للمنطق الّذي يذكّرنا به إنجيل اليوم: بعد إعلان الملاك، "قامت مريم فمضت مسرعة إلى الجبل إلى مدينة". وهكذا وصلت عذراء غوادالوبي إلى أراضي أميركا المباركة، وقدّمت نفسها كـ"أمّ الإله الحقيقيّ الّذي نحيا من أجله" لكي تعزّي وتلبّي احتياجات الصّغار، بدون استثناء أحد، ولكي تغمرهم كأمٍّ مُحبّة بحضورها وحبّها وتعزيتها.

نحتفل هذا العام بعيد العذراء سيّدة غوادالوبي في مرحلة صعبة للبشريّة. إنّها مرحلة مريرة، مليئة بضوضاء الحرب والظّلم المتزايد والمجاعات والفقر والألم. وعلى الرّغم من أنّ هذا الأفق يبدو كئيبًا ومربكًا، مع نذير دمار وخراب أكبر، إلّا أنَّ الحبّ والوداعة الإلهيّين يخبراننا أنّ هذا هو أيضًا زمن مناسب للخلاص، لا يزال فيه الرّبّ يعطينا، من خلال مريم العذراء، ابنه الّذي يدعونا إلى الأخوَّة، ولكي نضع جانبًا الأنانيّة واللّامبالاة والعداوة، ويدعونا لكي نتحمّل بسرعة مسؤوليّة بعضنا البعض ونذهب للقاء إخوتنا وأخواتنا الّذين نسيتهم وهمّشتهم مجتمعاتنا الاستهلاكيّة واللّامبالية. اليوم كما في الأمس، تريد القدّيسة مريم العذراء سيّدة غوادالوبي أن تلتقي بنا نحن أيضًا، كما التقت في أحد الأيّام بخوان دييغو على تل تيبياك. هي تريد أن تبقى معنا، وتطلب منّا أن نسمح لها بأن تكون أمّنا، وأن نفتح حياتنا لابنها يسوع ونقبل رسالته لكي نتعلّم أن نحبّ على مثاله. لقد جاءت لكي ترافق الشّعب الأميركيّ في هذا الطّريق الصّعب من الفقر والاستغلال والاستعمار الاجتماعيّ والاقتصاديّ والثّقافيّ. إنّها في وسط القوافل الّتي تبحث عن الحرّيّات وتتّجه نحو الشّمال، وهي في وسط ذلك الشّعب الأميركيّ الّذي تتعرّض هويّته للتّهديد من قبل الوثنيّة الوحشيّة والاستغلاليّة والّذي جرحه الإعلان النّشط للإلحاد العمليّ والبراغماتيّ. إنّها هناك، وتقول لنا: "أنا أمّك". أمّ المحبّة الّتي نحيا من أجلها.

اليوم، ١٢ كانون الأوّل ديسمبر، تبدأ في القارّة الأميركيّة تساعيّة العذراء سيّدة غوادالوبي عبر القارّات، وهي مسيرة تُحضِّر للاحتفال بالذّكرى المئويّة الخامسة لظهور العذراء في عام ٢٠٣١. لذلك أحثُّ جميع أعضاء الكنيسة الّتي تحجُّ في أميركا، رعاة ومؤمنين، على المشاركة في هذه المسيرة الاحتفاليّة، ولكن، من فضلكم، إفعلوا ذلك بروح العذراء سيّدة غوادالوبي الحقيقيّة. تقلقني المقترحات الأيديولوجيّة والثّقافيّة الّتي تريد أن تستولي على لقاء شعب مع أمّه، والّتي تريد أن تشوّه صورة الأمّ. من فضلكم، لا نسمحنَّ بتقطير الرّسالة في أنماط دنيويّة وأيديولوجيّة. إنّ الرّسالة هي بسيطة وهي حنونة. "ألست هنا، أنا أمّك؟". والأمّ لا يمكن تحويلها إلى أيديولوجيّة.

ليمنحنا يسوع المسيح، الّذي تطلبه جميع الأمم، بشفاعة أمّنا مريم العذراء سيّدة غوادالوبي، أيّام فرح وصفاء، لكي يحلّ سلام الرّبّ في قلوبنا وفي قلوب جميع الرّجال والنّساء ذوي الإرادة الصّالحة".