الفاتيكان
09 آب 2018, 07:54

البابا فرنسيس: بدون أوّلويّة الله يسهل السّقوط في عبادة الأوثان

كعادته كلّ يوم أربعاء، أجرى البابا فرنسيس اليوم الأربعاء المقابلة العامّة مع المؤمنين في قاعة بولس السّادس. وأكمل البابا تعاليمه أمس الأربعاء حول الوصايا العشر متابعًا معالجة قضيّة عبادة الأوثان لأهميّتها.

 

واستهلّ البابا فرنسيس حديثه بعجل الذّهب الذي يحدّثنا عنه الكتاب المقدّس في سفر الخروج (خر 32، 1-8)، قائلًا بحسب "الفاتيكان نيوز": إنّ هذا الحدث يقع في إطار محدّد ألا وهو البرّيّة التي كان الشّعب ينتظر فيها موسى الذي صعد إلى الجبل ليتلقّى من الله الوصايا. ولكن ما هي البرّيّة؟ إنّها مكان يسوده الافتقار، فلا ماء فيه ولا مأكل ولا ملجأ، البرّيّة بالتّالي هي صورة للحياة البشريّة غير أكيدة الظّروف والتي لا تتوفّر فيها ضمانات، ما يولّد لدى الإنسان شعورًا بالقلق تحدّث عنه يسوع "ماذا نَأكُل؟ أو ماذا نَشرَب؟ أو ماذا نَلبَس" (راجع متّى 6، 31). شيئ ما قد أطلق عبادة الأوثان، وهو تأخُّر موسى في النّزول من الجبل، وكان موسى بالنّسبة للشّعب المرجع، القائد والمرشد. إنّ الشّعب يريد إلهًا مرئيًّا ليعثر على هويّته ووجهته، وهذه هي المصيدة التي سقط فيها الشّعب. وهكذا سألوا هارون: "قم فاصنع لنا آلهة تسير أمامنا" (راجع خر 32، 1). إنّ الطّبيعة البشريّة تبحث عن دين مصطنع لمواجهة الافتقار وغياب الضّمانات، أيّ أنّه إذا لم يكن الإله مرئيًّا فلنصنع إلهنا الخاصّ.

ثمّ أشار إلى كلمات صاحب المزامير عن الأوثان التي "لها أفواه ولا تتكلّم" (راجع مز 115، 5)، فقال: "أمام الأوثان لا يوجد خطر أن نتلقّى دعوة تُخرجنا من طمأنينتنا. الأوثان هي بالتّالي ذريعة لوضع الذّات كمحور لمواقع، في التّعبد لما صنعته أيادينا. (راجع الرّسالة العامّة "نور الإيمان" للبابا فرنسيس). لم يعارض هارون مطلب الشّعب، فصنع العجل الذّهبيّ. العجل كان رمزًا للخصوبة والوفرة من جهة، وللطّاقة والقوّة من جهة أخرى، هذا إلى جانب كونه في المقام الأوّل من الذّهب أيّ رمز الثّراء والنّجاح، السّلطة والمال، وهذه هي الأوثان الكبيرة: النّجاح والسّلطة والمال. وهكذا يصبح العجل الذّهبيّ رمزًا لجميع الرّغبات التي تمنح وهمًا بالحرّيّة، بينما في الواقع تجعل الشّخص عبدًا، لأنّ هذا ما تفعل الأوثان.

هذا هو نتاج عدم القدرة على الاتّكال على الله وإيكال أماننا إليه كي يمنح هو العمق الحقيقيّ لرغبات قلوبنا، وهذا يمَكّننا من تحمّل الافتقار وغياب الضّمانات. بدون أولويّة الله يسهل السّقوط في عبادة الأوثان والاكتفاء بضمانات هزيلة."

وأكمل البابا فرنسيس: "إنّ هذه التّجربة نجدها كثيرًا في الكتاب المقدّس. عمل لله أكبر من تحرير شعب الله من مصر، ألا وهو إزالة مصر من قلب شعب الله، أيّ إزالة عبادة الأوثان من قلب الشّعب. نحن حين نقبل إله يسوع المسيح الذي افتقر لأجلنا وهو الغنيّ (راجع 2 قور 8، 9)، فإنّنا ندرك أنّ الاعتراف بضعفنا هو شرط للانفتاح على مَن هو قويّ بالفعل، فخلاص الله يدخل من باب الضّعف (راجع 2 قور 12، 10)، وبضعفنا ننفتح على أبوّة الله. إنّنا ننظر إلى المسيح على الصّليب ضعيفًا استثهزئ به، ولكن فيه يُكشف وجه الله الحقيقيّ، مجد المحبّة لا الوهم البرّاق."

وذكّر البابا في ختام مقابلته بكلمات النّبيّ أشعيا "بجرحه شفينا" (راجع اش 53، 5). وقال: إنّ شفاءنا يأتي ممن افتقر، الذي ملأ ضعفنا بالمحبّة والقوّة، مَن جاء ليُظهر لنا أبوّة الله. إنّ في المسيح يصبح ضعفنا مكان لقاء الآب وينبوع قوّة جديدة تأتينا من الأعلى."