الفاتيكان
11 كانون الثاني 2021, 07:30

البابا فرنسيس: بالعنف لا نكتسب شيئًا وإنّما نضيّع الكثير

تيلي لوميار/ نورسات
جدّد البابا فرنسيس رفضه للعنف لحلّ أيّ أزمة كانت، وذلك تعليقًا على ما حدث في الكونغرس الأميركيّ، فوجّه إلى شعب الولايات المتّحدة الأميركيّة "الّذي هزّه حصار الكونغرس الأخير"، بعد تلاوة التّبشير الملائكيّ ظهر الأحد، "تحيّة مودّة"، فقال بحسب "فاتيكان نيوز": "أصلّي من أجل الّذين فقدوا حياتهم- خمسة أشخاص- فقدوها في تلك اللّحظات المأساويّة. أكرّر أنّ العنف يدمّر الذّات على الدّوام. بالعنف لا نكتسب شيئًا وإنّما نضيِّع الكثير. وبالتّالي أحثّ سلطات الدّولة وجميع السّكّان على الحفاظ على حسٍّ عال بالمسؤوليّة، من أجل تهدئة الأرواح وتعزيز المصالحة الوطنيّة وحماية القيم الدّيمقراطيّة المتجذّرة في المجتمع الأميركيّ. لتساعد العذراء مريم سيّدة الحبل بلا دنس، شفيعة الولايات المتّحدة الأميركيّة، في الحفاظ على ثقافة اللّقاء، وثقافة الرّعاية، كدرب رئيسيّة لبناء الخير العامّ معًا؛ ولتفعل ذلك مع جميع الّذين يعيشون في تلك الأرض."

وكان البابا قد ألقى كلمة روحيّة قبل الصّلاة جاء فيها: "نحتفل اليوم بمعموديّة الرّبّ. قبل أيّام قليلة تركنا الطّفل يسوع الّذي زاره المجوس؛ أمّا اليوم فنجده بالغًا على ضفاف نهر الأردنّ. تجعلنا اللّيتورجيا نقفز حوالي ثلاثين عامًا، ثلاثون عامًا نعرف منها شيئًا واحدًا: كانت سنوات من الحياة الخفيّة، قضاها يسوع في العائلة، أطاع والديه، ودرس وعمل. يُدهشنا أنّ الرّبّ قضى معظم الوقت على الأرض هكذا، يعيش الحياة اليوميّة، دون أن يظهر. إنّها رسالة جميلة بالنّسبة لنا: إنّها تكشف لنا عن عظمة الحياة اليوميّة، والأهمّيّة في نظر الله لكلّ تصرّف ولحظة من الحياة، حتّى البسيطة والخفيّة منها.

بعد هذه السّنوات الثّلاثين من الحياة الخفيّة، بدأت حياة يسوع العلنيّة، وبدأت بالتّحديد بمعموديّته في نهر الأردنّ. لكن لماذا اعتمد يسوع؟ لقد كانت معموديّة يوحنّا تقوم على طقوس توبة، وكانت علامة على الرّغبة في الارتداد، وطلب المرء المغفرة عن خطاياه. من المؤكّد أنّ يسوع لم يكن بحاجة لذلك. وبالتّالي، حاول يوحنّا المعمدان أن يعارض، لكن يسوع أصرّ. لماذا؟ لأنّه يريد أن يكون مع الخطأة: لهذا اصطفّ معهم وتصرّف مثلهم. نزل يسوع إلى النّهر ليغمر نفسه في حالتنا. إنَّ المعموديّة، في الواقع، تعني "التّغطيس". في اليوم الأوّل من خدمته، يقدّم لنا يسوع "برنامجه". يخبرنا أنّه لا يخلّصنا من فوق، بقرار سياديّ أو بفعل قوّة، وإنّما بالمجيء للقائنا وأخذ خطايانا على عاتقه. هذه هي الطّريقة الّتي ينتصر بها الله على شرّ العالم: بإخلاء ذاته وأخذه على عاتقه. إنّها أيضًا الطّريقة الّتي يمكننا من خلالها أن نرفع الآخرين: ليس بالحكم عليهم، وليس بفرض بما يجب عليهم القيام به، وإنّما الاقتراب منهم، والتّألّم معهم ومشاركتهم محبّة الله. القرب هو أسلوب الله تجاهنا، وهو بنفسه قد قال ذلك لموسى: لِأَنَّهُ أَيُّ شَعْبٍ هُوَ عَظِيمٌ لَهُ آلِهَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْهُ كَما أنا قريب منكم. القرب هو أسلوب الله تجاهنا.  

بعد بادرة تعاطف يسوع هذه، حدث شيء غير عاديّ: انفتحت السّماوات وانكشف الثّالوث أخيرًا. نزل الرّوح القدس على شكل حمامة وقال الآب ليسوع: "أنت ابني الحبيب". يتجلّى الله في ظهور الرّحمة، لأنّ هذا هو وجهه. لقد أصبح يسوع عبدًا للخطأة وتمَّ إعلانه ابنًا، تنازل إلينا ونزل عليه الرّوح القدس. إنَّ المحبّة تحرّك المحبّة. وهذا الأمر يصلح بالنّسبة لنا أيضًا: في كلّ تصرّف خدمة، وفي كلّ عمل رحمة نقوم به، يتجلّى الله وينظر إلى العالم.

ولكن حتّى قبل أن نفعل أيّ شيء، فإنّ حياتنا مطبوعة بالرّحمة الّتي حلّت علينا. لقد خُلِّصنا مجّانًا. إنّ الخلاص مجّانيّ. إنّه تصرّف الرّحمة المجّانيّ من قبل الله تجاهنا. وهذا الأمر يحصل بشكل أسراريّ في المعموديّة، ولكن حتّى الّذين لم ينالوا المعموديّة ينالون رحمة الله على الدّوام لأنّ الله هو هناك وينتظرهم. هو ينتظرنا لكي نفتح له أبواب قلوبنا فيقترب ويلمسنا بحنان برحمته. لتساعدنا العذراء، الّتي نرفع إليها صلاتنا الآن، في الحفاظ على هويّتنا، أيّ أن نكون رحماء، والّتي هي أساس الإيمان والحياة."

وفي الختام، أكّد البابا فرنسيس صلاته من أجل كلّ الأطفال المسجّلين من أجل نوال سرّ المعموديّة في كابلة السّيستينا، والّذي لم يتمكّن من الاحتفال به كالمعتاد بسبب الوباء، كما من أجل والديهم والعرّابين. هذه التّحيّة مرفقة ببركته البابويّة، طالت كلّ الأطفال في العالم "الّذين ينالون المعموديّة في هذه الفترة، وينالون الهويّة المسيحيّة ونعمة الغفران والفداء".  

وأنهى البابا كلمته موصيًا الجميع بطلب نور الرّوح القدس وقوّته من دون تعب، "لكي يساعدنا على عيش الأمور العاديّة بمحبّة فنجعلها هكذا رائعة ومميّزة"، مؤكّدًا أنّ "الحبّ هو الّذي يغيِّر: إنّ الأمور العاديّة تبدو عاديّة على الدّوام، ولكن عندما نقوم بها بحبّ تصبح مميّزة. إذا بقينا منفتحين على الرّوح القدس ومطيعين له، فسيلهم أفكارنا وأفعالنا يوميًّا."