البابا فرنسيس: اليقين بأنّ الله يُحبّنا، بأنّه الأب، يجعلُنا ننتصر على أيّة تجارب
"يسوع، وبعد صومه لأربعين يومًا، أراد إبليس تجربته ثلاث مرّات، حيث دعاه أوّلًا إلى أن يحوِّل الحجر إلى خبز (3)، ثمّ أراه جميع ممالك الأرض عارضًا عليه السّلطان والمجد (5-4)، وأخيرًا مضى به إِلى أعلى الـهيكل في أورشليم سائلًا إياه أن يلقي بنفسه كي يُظهر قوّته الإلهيّة (9-11). إنّ هذه التّجارب الثّلاث تشير إلى ثلاث دروب يدعو إليها العالم دائمًا واعدًا بالنّجاح الفائق، ثلاث دروب لخداعنا: جشع التّملُّك، المجد البشريّ واستغلال الله.
بدايةً، فإنّ جشع التّملُّك هو منطق إبليس الخبيث، حيث ينطلق من الحاجة الطّبيعيّة والمشروعة إلى الغذاء والعيش، تحقيق الذّات والسّعادة، ليدفعنا إلى الإيمان بأنّ كل هذا ممكن بدون الله، بل وضدّ الله. وهنا، يرفض يسوع قائلًا لإبليس: "مَكتوبٌ: لَيَس بِالخُبزِ وَحدَه يَحيا الإِنسان"(4)، ويؤكّد هكذا رغبة يسوع في ترك نفسه بثقة تامّة لعناية الآب الذي يعتني بأبنائه دائمًا.
أمّا بالنّسبة للتّجربة الثّانية، وهي تجربة المجد البشريّ، أُذكّرُكم بكلمات إبليس "فَإِن سَجَدتَ لي، يَعودُ إِلَيكَ ذلكَ كُلُّه" (7). وذلك معناه أنّه يمكن فقدان الكرامة الشّخصيّة إن سمحنا لأصنام المال والنّجاح والسّلطة بإفسادنا لبلوغ مكانة شخصيّة. هذا هو الفرح الفارغ الذي يزول سريعًا؛ ولهذا يجيب يسوع على تجربة إبليس: "مَكتوبٌ: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسجُد، وإِيَّاه وَحدَه تَعبُد" (8).
أمّا في ما يتعلّق بالتّجربة الثّالثة، أي استغلال الله من أجل المصلحة الشّخصيّة، أُذكّرُكم أيضًا بأنّ إبليس يدعو يسوع إلى أن ينتظر من الله معجزة مدهشة، فيرفض يسوع مجدَّدًا بإصرار قاطع على البقاء متواضعًا وواثقًا أمام الآب، ويقول: "لقَد قيل: لا تُجَرِّبَنَّ الرَّبَّ إِلـهَكَ" (12). وفي هذا السّياق، فإنّ يسوع يرفض هنا أكثر التّجارب خبثًا على الأرجح، أيّ استغلال الله بأن نطلب منه نعمة تهدف في الواقع إلى إرضاء غرورنا.
إنّ هذه الدّروب التي تُطرح أمامنا لإيهامنا بإمكانيّة بلوغ النّجاح والسّعادة من خلالها، غريبة تمامًا عن أسلوب عمل الله؛ بل هي تفصلنا عن الله لأنّها أعمال إبليس.
وإنّ يسوع في مواجهته هذه التّجارب بشكل شخصيّ قد هزمها ثلاث مرّات ملتصقًا بالكامل بتصميم الآب، ويقدّم لنا هكذا الحلول: الحياة الدّاخليّة، الإيمان بالله، واليقين بمحبّته، اليقين بأنّ الله يُحبّنا، بأنّه الأب، ذلك اليقين الذي يجعلنا ننتصر على أيّة تجارب.
ويسوع في إجابته على تجارب إبليس لم يتحاور معه بل لجأ إلى كلمة الله فقط، وهذا يعلّمنا أنّه ليس هناك حوار مع الشّيطان، لا يجوز أن نتحاور معه، بل علينا الإجابة فقط بكلمة الله.
وأدعوكم في الختام إلى الاستفادة من زمن الصّوم كزمن مُميّز للتّطهُّر واختبار حضور الله المُعزّي في حياتنا. وأطلُب شفاعة مريم العذراء، أيقونة الأمانة لله، كي تعضُدنا في مسيرتنا وتساعدُنا على رفض الشّرّ دائمًا وقبول الخير."