الفاتيكان
25 أيار 2020, 13:30

البابا فرنسيس: الوحدة ليست نتيجة لعملنا بل هي عطيّة من الرّوح القدس

تيلي لوميار/ نورسات
كتب البابا فرنسيس إلى عميد المجلس البابويّ لتعزيز وحدة المسيحيّين الكاردينال كورت كوخ، في الذّكرى السّنويّة الخامسة والعشرين على صدور الرّسالة العامّة "ليكونوا واحدًا" للبابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، فكتب بحسب "فاتيكان نيوز":

"تُصادف غدًا الذّكرى الخامسة والعشرين لصدور الرّسالة العامّة "ليكونوا واحدًا" للقدّيس يوحنّا بولس الثّاني. بنظره الموجّه نحو أفق يوبيل الألفين أراد أن تضع الكنيسة نصب عينيها، في مسيرتها نحو الألفيّة الثّالثة، صلاة المعلّم والرّبّ: "ليكونوا واحدًا". لذلك كتب هذه الرّسالة العامّة الّتي أكّدت بطريقة لا رجوع عنها الالتزام المسكونيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، وقد نشرها في عيد صعود الرّبّ واضعًا إيّاها تحت راية الرّوح القدس صانع الوحدة في الاختلاف؛ وفي هذا الإطار اللّيتورجيّ والرّوحيّ عينه نحن نتذكّرها ونعيد اقتراحها على شعب الله.

لقد اعترف المجمع الفاتيكانيّ الثّاني أنّ الحركة لاستعادة وحدة جميع المسيحيّين قد ولدت بنعمة الرّوح القدس، وأكّد أيضًا أنّ الرّوح القدس هو الّذي يوزّع النّعم والخدم وهو مبدأ وحدة الكنيسة. وتؤكّد الرّسالة العامّة "ليكونوا واحدًا" أنَّ "التّنوّع المشروع لا يناقض البتّة وحدة الكنيسة، بل ينمّي مكانتها ويُسهم بوفرة في تمام رسالتها". في الواقع وحده الرّوح القدس بإمكانه أن يخلق التّنوّع والتّعدّديّة وأن يصنع الوحدة في الوقت عينه... فهو الّذي يصنع التّناغم في الكنيسة لأنّه وكما يقول القدّيس باسيليوس الكبير "هو التّناغم بحدِّ ذاته".

في هذه الذّكرى، أشكر الرّبّ على المسيرة الّتي سمح لنا أن نقوم بها كمسيحيّين في البحث عن الشّركة الكاملة. كذلك أشارك القلق السّليم لأولئك الّذين يعتقدون أحيانًا أنّه يمكننا ويجب علينا أن نلتزم أكثر. ومع ذلك، لا ينبغي أن نفتقر إلى الإيمان والامتنان: فقد تمّ القيام بالعديد من الخطوات في هذه العقود من أجل تضميد جراح القرون وجراح آلاف السّنين. فقد نمت المعرفة والتّقدير المتبادل وساعدت على تخطّي الأحكام المسبقة المتجّذرة؛ وتطوّر الحوار اللّاهوتيّ وحوار المحبّة، بالإضافة إلى أشكال مختلفة من التّعاون في حوار الحياة، على المستوى الرّاعويّ والثّقافيّ. في هذه اللّحظة، يتوجّه فكري إلى إخوتي الأحبّاء رؤساء مختلف الكنائس والجماعات المسيحيّة، ويمتّد إلى جميع إخوتنا وأخواتنا من كلّ التّقاليد المسيحيّة رفاقنا في هذه المسيرة. وكتلميذي عمّاوس يمكننا أن نشعر بحضور المسيح القائم من الموت الّذي يسير بقربنا ويشرح لنا الكتب وأن نعرفه عند كسر الخبز في انتظار أن نتشارك المائدة الإفخارتسيّة معًا.

أجدّد امتناني للّذين عملوا ويعملون في هذه الدّائرة الفاتيكانيّة لكي يحافظوا على الوعي لهذا الهدف حيًّا في الكنيسة، أرحّب في هذا السّياق بمبادرتين حديثتين الأولى وهي دليل مسكونيّ للأساقفة سيُنشر في الخريف المقبل كتشجيع وتوجيه لهم في ممارسة مسؤوليّاتهم المسكونيّة؛ لأنَّ خدمة الوحدة في الواقع هي جانب أساسيّ من رسالة الأسقف الّذي يشكّل المبدأ المرئيّ والأساس للوحدة في كنيسته الخاصّة. أمّا المبادرة الثّانية فهي إطلاق مجلّة "Acta Œcumenica" الّتي وإذ تجدّد خدمة المعلومات للمجلس البابويّ لتعزيز وحدة المسيحيّين تقترح نفسها كدليل للّذين يعملون في خدمة الوحدة.

على الدّرب الّتي تقود إلى ملء الشّركة من المهمّ أن نتذكّر المسيرة الّتي قمنا بها وإنّما أن نفحص الأفق أيضًا طارحين السّؤال مع الرّسالة العامّة "ليكونوا واحدًا": "أيُّ مسافةٍ تفصلنا بعد؟". هناك أمر أكيد وهو أنّ الوحدة ليست نتيجة لعملنا بل هي عطيّة من الرّوح القدس؛ فهي لا تأتي كمعجزة في النّهاية وإنّما من المسيرة؛ إنَّ الرّوح القدس هو الّذي يصنع الوحدة خلال المسيرة. لنطلب إذًا الرّوح القدس بثقة أن يقود خطانا وأن يشعر كلّ فرد منّا بقوّة متجدّدة بالنّداء لكي من أجل القضيّة المسكونيّة، وليُلهم تصرّفات نبويّة جديدة ويعزّز المحبّة الأخويّة بين جميع تلاميذ المسيح "لكي يؤمن العالم" (يوحنّا 17، 21) ويزداد التّسبيح للآب الّذي في السّماوات".