الفاتيكان
08 آذار 2023, 09:45

البابا فرنسيس: المرأة تحمل ذلك التّناغم الّذي يجعلنا نحبّ بحنان ويجعل العالم جميلاً

تيلي لوميار/ نورسات
قدرات النّساء وتميُّزهن ومواهبهنّ والدّور الّذي يمكن أن تلعبنه لعالم أفضل، كانت محور تركيز البابا فرنسيس في مقدّمة كتاب "قيادة نسائيّة أكبر من أجل عالم أفضل" لكاتبته أنّا ماريا تارانتولا، الّذي صدر عن دار النّشر "الحياة والفكر" التّابعة لجامعة القلب المقدّس الكاثوليكيّة في ميلانو، والّذي يُعدّ ثمرة بحث مشترك لمؤسّسة السّنة المئة وStrategic Alliance of Catholic Research Universities .

وفي هذه المقدّمة كتب البابا فرنسيس مستهلًّا إيّاها بحسب "فاتيكان نيوز" "بأنّ هذا الكتاب يتحدّث عن النّساء ومواهبهنّ وقدراتهنّ وكفاءاتهنّ، وعن اللّامساواة والعنف والأحكام المسبقة الّتي لا تزال تطبع عالم النّساء. وتابع الأب الأقدس مشيرًا إلى اهتمامه بالمواضيع المتعلّقة بهذا العالم مذكِّرًا بتطرّقه في مداخلات وكلمات كثيرة إلى هذا الأمر وإلى ما لا يزال من الضّروريّ القيام به من أجل تثمين كامل للمرأة. وذكَّر بشكل خاصّ بحديثه عن أنّ الرّجل والمرأة ليسا متطابقَين وليس أحدهما أفضل من الآخر، إلّا أنّ الرّجل لا يحمل التّناغم بينما تحمل المرأة ذلك التّناغم الّذي يجعلنا نحبّ بحنان والّذي يجعل العالم جميلاً. وشدّد البابا هنا على حاجتنا الكبيرة إلى التّناغم لمكافحة الظّلم، الجشع الأعمى الّذي يُلحق الضّرر بالأشخاص وبالبيئة، والحرب الظّالمة وغير المقبولة.

تحدّث البابا فرنسيس بعد ذلك عن كون الكتاب ثمرة بحث مشترك شارك فيه ١٥ أكاديميًّا من تخصّصات مختلفة، وهم من ١٠ جامعات في ٨ بلدان. وأعرب قداسته عن إعجابه بأنّ الموضوع محور الكتاب يتمّ التّعامل معه من وجهة نظر متعدّدة المجالات، فالمقاربات والتّحليلات المتنوّعة تسمح بنظرة واسعة للقضايا والبحث عن أفضل الحلول. وواصل البابا تقديمه مشيرًا إلى أنّ هذا البحث قد كشف المصاعب الّتي لا تزال أمام النّساء اليوم لبلوغ أدوار قياديّة في دنيا العمل، هذا إلى جانب تسليط الضّوء على فوائد وجود أكبر للنّساء وتثمينٍ كامل لهنّ في الأوساط الاقتصاديّة والسّياسيّة وفي المجتمع في حدّ ذاته. وتوقّف البابا فرنسيس هنا عند إمكانيّة أن تستفيد الكنيسة أيضًا من تثمين المرأة، وهو ما تحدّث عنه قداسته مختتمًا السّينودس الخاصّ بمنطقة الأمازون في تشرين الأوّل أكتوبر ٢٠١٩ حين قال إنّنا لم ننتبه إلى ما تعنيه المرأة في الكنيسة ونقتصر فقط على الجانب الوظيفيّ، بينما يتجاوز دور المرأة في الكنيسة بكثير هذا الجانب، وأضاف أنّ علينا مواصلة العمل في هذا المجال. وواصل الأب الأقدس أنّه ليس من الممكن بلوغ عالم أفضل، أكثر عدالة وشمولاً، عالم مستدام بشكل متكامل، بدون إسهام النّساء، وعلينا بالتّالي أن نعمل معًا جميعًا لتوفير فرص متساوية للرّجال والنّساء في كلّ مجال، وذلك لتحقيق مساوة في التّنوّع ثابتة ودائمة لأنّ طريق تحقيق المرأة لذاتها حديث وصعب وغير نهائيّ، ويمكن بسهولة أن نعود إلى الوراء.

توقّف الأب الأقدس بعد ذلك عن اختلاف فكر المرأة عن فكر الرّجل، فالنّساء أكثر تنبّهًا إلى حماية البيئة، وأنظارهنّ لا تتوجّه إلى الماضي بل إلى المستقبل. وواصل البابا أنّ النّساء يعلمن أنّهنّ يلدن بألم لبلوغ فرح عظيم: هبة الحياة وفتح آفاق جديدة واسعة، ولهذا فإنّ النّساء يريدن السّلام، دائمًا. تحدّث البابا أيضًا عن قدرة النّساء على التّعبير عن القوّة والحنان معًا وأشار إلى تميّزهنّ بالكفاءة والقدرة وبأنّ الأجيال الجديدة تحفّزهنّ، ولا يقتصر هذا على الأبناء. شدّد البابا بالتّالي على أنّه من العدل أن يتمكنَّ من التّعبير عن قدراتهنّ هذه في الأوساط المختلفة لا في الوسط العائليّ وحده، وأن يحصلن على مقابل مادّيّ متساوٍ مع ما يحصل عليه الرّجال في حال التّساوي في العمل والالتزام والمسؤوليّة. ووصف الأب الأقدس هنا الفجوة في هذا المجال بين الرّجل والمرأة بظلم كبير، وأضاف أنّ هذا التّفاوت إلى جانب الأحكام المسبقة هي ما ينتج عنها العنف ضدّ النّساء. وذكَّر البابا فرنسيس في هذا السّياق بإدانته لهذه الظّاهرة في مناسبات كثيرة، ووصف العنف ضدّ النّساء بجرح مفتوح هو ثمرة ثقافة قهر ذكوريّة. وشدّد قداسته على ضرورة أن نجد علاجًا لهذه الآفة وألّا نترك النّساء بمفردهنّ.

ثمّ عاد البابا فرنسيس إلى البحث الّذي نتج عنه الكتاب فقال إنّه يسعى، مع ما تمّ استخلاصه من نتائج، إلى مداواة جرح اللّامساواة وبالتّالي العنف. وتابع أنّه يرى أنّ النّساء حين تتوفّر لهنّ مساواة كاملة في الفرص يمْكنهنّ الإسهام في التّحوّل الضّروريّ نحو عالم يطبعه السّلام والدّمج والتّضامن والاستدامة المتكاملة. وذكَّر الأب الأقدس بحديثه لمناسبة اليوم العالميّ للمرأة ٢٠١٩ عن أنّ النّساء يجعلن العالم أجمل ويحمينه ويجعلنه حيًّا، كما ويحملن التّجدّد وعناق الدّمج وشجاعة هبة الذّات. وتابع البابا أنّ السّلام يولد من النّساء ويبزغ ويبرق في رقّة الأمّهات، وهكذا يصبح حلم السّلام حقيقة مع النّظر إلى النّساء. وأضاف قداسة البابا أنّه يرى، وكما يكشف البحث المذكور، أنّ المساواة يجب بلوغها في الاختلاف، لا مساواة تنتج عن تصرّفات ذكوريّة، بل مساواة تنطلق من كون بوّابات الملعب كلّها مفتوحة للّاعبين جميعًا بدون تمييز على أساس الجنس أو اللّون، الدّين أو الثّقافة. وواصل البابا متحدّثًا عن جمال التّفكير في عالم يعيش فيه الجميع في تناغم، ويتمّ فيه الاعتراف بمواهب الجميع، ويساهمون في بلوغ عالم أفضل.

ومن بين ما تطرّق إليه الأب الأقدس تميُّز النّساء بالقدرة على الرّعاية، وقال إنّ هذه القدرة النّسائيّة يجب التّعبير عنها لا فقط في العائلة بل وأيضًا في السّياسة والاقتصاد والعالم الأكاديميّ ودنيا العمل، وذلك بالقدر ذاته وبالنّتائج الرّائعة ذاتها. وأشار البابا إلى ضرورة أن نتميّز جميعًا بهذه القدرة، رجالاً ونساء، وما أجمل عائلة يعتني فيها الأب والأمّ بأطفالهما ويساعدانهم على النّموّ أصحّاء ويربّيانهم على احترام الأشخاص والأشياء، على اللّطف والرّحمة وحماية الخليقة، قال البابا. وأكّد قداسته هنا أهمّيّة التّربية من أجل منح النّساء الكفاءات والمعارف من جهة، والإسهام في تغيير الثّقافة الذّكوريّة من جهة أحرى. وإختتم البابا فرنسيس مقدّمة الكتاب مشيرًا بأسف إلى أنّ حوالي ١٣٠ مليون فتاة في العالم لا يتوجّهن إلى المدارس، وشدّد على أنّه ما من حرّيّة وعدالة وتنمية متكاملة، ديمقراطيّة وسلام، بدون التّربية."