الفاتيكان
09 كانون الثاني 2020, 06:00

البابا فرنسيس: المحبّة خصبة بالنّسبة لله

تيلي لوميار/ نورسات
"يخبر كتاب أعمال الرّسل في القسم الختاميّ أنّ الإنجيل يتابع مسيرته ليس عبر الأرض وحسب وإنّما عبر البحر أيضًا على متن سفينة تقود بولس السّجين من قيصريّة إلى روما (راجع أعمال الرّسل 27، 1 ـ 28، 16)، في قلب الإمبراطوريّة، لكي تتحقّق كلمة القائم من الموت: وتكونون لي شهودًا حتّى أقاصي الأرض (أعمال الرّسل 1، 8)".

بهذه الكلمات استهلّ البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعيّ خلال المقابلة العامّة أمس، في قاعة بولس السّادس، وتابع قائلاً نقلاً عن "فاتيكان نيوز": "واجه الإبحار منذ البداية أوضاعًا معاكسة. وأصبحت الرّحلة خطيرة. فنصحهم بولس بعدم متابعة الإبحار ولكن قائد المائة لم يسمع له واتكّل على الرّبّان وصاحب السّفينة. فتابعوا الرّحلة وهبّت عاصفة قويّة وفقد الطّاقم السّيطرة على السّفينة الّتي تحطّمت.

عندما بدا أنّ الموت قد أوشك أن يصبح قريبًا وسيطر اليأس على الجميع تدخّل بولس. لذلك يُطمئن رفاقه قائلاً ذلك الّذي سمعناه: "لقد حضرني في هذه اللّيلة ملاك من عند الله الّذي أنا له وإيّاه أعبد، وقال لي: لا تخف يا بولس، يجب عليك أن تمثُل أمام قيصر، وقد وهب الله لك جميع المسافرين معك" (أعمال الرّسل 27، 23 ـ 24)؛ وبالتّالي حتّى عند التّجربة يبقى بولس حارسًا لحياة الآخرين ومحرّكًا لرجائهم.

يُظهر لنا لوقا هكذا أنّ المخطّط الّذي يقود بولس نحو روما لا يخلّص الرّسول وحده وإنّما رفاقه المسافرين معه أيضًا، ويتحوّل غرق السّفينة من كارثة إلى فرصة لعمل العناية الإلهيّة لإعلان الإنجيل.

بعد غرق السّفينة وصل الجميع إلى جزيرة مالطا، حيث أظهر لهم السّكّان استقبالاً وعناية. كان المطر يتساقط وكان البرد شديدًا فأوقدوا لهم نارًا ليؤمّنوا للنّاجين بعض الدّفء والرّاحة. هنا أيضًا وكتلميذ حقيقيّ للمسيح وضع بولس نفسه في الخدمة لكي يغذّي النّار ببعض الأغصان؛ وفيما كان يلقي الأغصان في النّار خرجت أفعى من النّار وتعلّقت بيده، وإذ لم يعانِ من أيّ أذى اعتبره السّكّان إلهًا. لكن هذه الميزة أتته من الرّبّ القائم من الموت الّذي ساعده بحسب الوعد الّذي قطعه للمؤمنين قبل صعوده إلى السّماء: "ويمسكون الحيّات بأيديهم، وإن شربوا شرابًا قاتلاً لا يؤذيهم، ويضعون أيديهم على المرضى فيتعافون" (مرقس 16، 18).

في الواقع تحوّلت إقامة بولس في مالطا إلى فرصة ملائمة لكي يجسّد الكلمة الّتي يعلنها ويمارس هكذاخدمة الشّفقة في شفاء المرضى. هذه هي شريعة الإنجيل: عندما يعيش مؤمن ما خبرة الخلاص فهو لا يحتفظ بها لنفسه، بل يتقاسمها مع الآخرين. "إنّ الخير يتوق دائمًا للانتقال إلى الآخرين. إنّ كلّ خبرة حقيقة وجمال تسعى لكي تنتشر وتمتدّ وكلّ شخص يعيش تحرّرًا عميقًا يكتسب وعيًا وإدراكًا أكبر لاحتياجات الآخرين" (الإرشاد الرّسوليّ "فرح الإنجيل"، عدد 9). إنّ المسيحيّ الّذي تعذّب وتألمّ يعرف كيف يقترب أكثر من الّذين يتألّمون وكيف يفتح قلبه على التّضامن مع الآخرين.

يعلّمنا القدّيس بولس أن نعيش التّجارب متمسّكين بالمسيح لكي تنضُج فينا "القناعة بأنّ الله يمكنه أن يعمل في جميع الظّروف، حتّى وسط ما قد يبدو فشلاً في الظّاهر، واليقين أنّ من يقدّم ذاته لله ويبذلها محبّة به سيكون خصبًا بالتّأكيد" (الإرشاد الرّسوليّ "فرح الإنجيل"، عدد 279). المحبّة هي خصبة بالنّسبة لله.

لنطلب اليوم من الرّبّ أن يساعدنا لكي نعيش كلّ تجربة يعضدنا فيها الإيمان وأن نكون أكثر وعيًا وإدراكًا للعديد من النّاجين من غرق التّاريخ الّذين يصلون تعبين إلى شواطئنا فنعرف نحن أيضًا كيف نستقبلهم بواسطة المحبّة الأخويّة الّتي تأتي من اللّقاء بيسوع. وهذا الأمر هو الّذي سينقذنا من اللّامبالاة وغياب الإنسانيّة".