البابا فرنسيس: المجاني~ة هي محاكاة أسلوب يسوع في هبة الذّات من أجلنا
إستهلّ البابا فرنسيس تأمّله بالقول "إنّنا وحين نبذل جهدًا ما، وفي حالتنا هذه فيما يتعلّق بمساعدة الكنيسة في أمريكا اللّاتينية، فإنّنا ننتظر نتيجة، وفي حال عدم التّوصّل إلى هذه النّتيجة قد يُعتبر هذا فشلًا أو يمنحنا شعورًا بأنّ عملنا قد ضاع هباءً. إلى أنّ هذا الشّعور يتتاقض مع المجانيّة والتي هي حسب الإنجيل العطاء بدون انتظار شيء في المقابل."
ثم تساءل البابا فرنسيس كيف يمكن التّوفيق بالتّالي بين الأمرين، وواصل أنّه "للتّعمق في هذا الموضوع قد يكون مفيدًا العودة خطوة إلى الخلف والتّركيز على ما يطلب منّا يسوع وما يقول لنا الإنجيل." ودعا إلى "أن نطرح على أنفسنا، فيما يتعلّق بفعل الهبة، الأسئلة التي سمكن أن يطرحها الصّحفيّ، أيّ مَن وماذا، أين وكيف، متى ولماذا".
وواصل رسالته مجيبًا بالتّالي على هذه الأسئلة فبدأ بالسّؤل الأوّل، "مَن يهب؟". وذكَّر في هذا السّياق بأنّ "الإنجيل يؤكّد لنا أنّ ما نعطي ليس سوى ما نلنا مجانًا، فالله هو مَن يهب، ولسنا نحن سوى وكلاء على بعض الخيور التي تلقيناها، وبالتّالي لا يمكننا أن نطلب أكثر من أجرتنا بل علينا تحمُّل ما يفرضه علينا هذا العطاء من مسؤوليّة.
وفي إجابته على السّؤال الثّاني، أيّ "ماذا يهبنا الله؟"، قال البابا فرنسيس "إنّ الإجابة بسيطة، كلّ شيء. فالله قد وهبنا الحياة والخليقة والذّكاء والرّغبة في أن نكون جديرين بمصيرنا والقدرة على إقامة علاقة معه ومع الأخوة، بل وقد خلقتا الله أيضًا على صورته قادرين على أن نحبّ مؤكّدًا لنا محبّته بالمسيح على الصّليب، وبحضوره في سرّ الافخارستيا، وبعطيّة الرّوح القدس. وفي حال فقداننا الوعي بهذا فإنّنا نشوّه جوهر الله وجوهرنا، حيث نتحوّل من وكلاء أمناء إلى عبيد للمال، ونجعل قلوبنا أسيرة الأمان الاقتصاديّ والسّيطرة وكفاءة الإدارة. علينا تذكُّر أنّ الله يهب وسط شعبه ولا يمكن لعطائنا ألّا يأخذ بعين الاعتبار هذه الحقيقة، لا يمكننا بالتّالي أن نتجاهل مَن يسقط على جانب الطّريق أو البائس والفقير، بل لنطلب من الرّبّ أن نكون قادرين على رؤية ما يجعل هؤلاء الأشخاص عاجزين عن مواجهة ما أمامهم من مصاعب."
وتابع البابا فرنسيس مجيبًا على الأسئلة "كيف ومتى يهب الله لشعبه"، وقال: "ببساطة دائمًا وبشكل كامل. فالله لا يضع حدودًا، فنحن نخطئ آلاف المرّات، وآلاف المرّات يغفر هو لنا. في القربان المقدّس لا نتلقّى جزءً من يسوع بل نناله كلّه بجسده ودمه، هذا ما يفعل الله وصولا إلى أن يفتقر لأجلنا كي نغتني بفقره.
المجانية هي بالتّالي محاكاة أسلوب يسوع في هبة الذّات من أجلنا، من أجل شعبه، دائمًا وبشكل كامل".
وأكمل مجيبًا على سؤال آخر، "لماذا؟"، فقال: محبةً لنا، والمحبّة تعذر كلّ شيء وتصدّق كلّ شيء وترجو كلّ شيء وتتحمّل كلّ شيء. الجهود انطلاقًا من هذا لا تكون غير مجدية وذلك لأنّ لها هدف، هبة الذّات في محاكاة ليسوع الذي وهب ذاته من أجل أن يخلّصنا جميعًا. معانقة الصّليب ليست علامة ضعف أو عملًا بلا جدوى بل هي الاتّحاد مع رسالة يسوع من أجل تبشير الفقراء وتخلية سبيل المأسورين، هي لمسٌ باليد لجراح الأخ الذي له اسم وقيمة لانهائية عند الله، وذلك لمنحه النّور وتقويته وتوفير له فرصة الإجابة على مشروع محبّة الله له."
وفي الختام، أوكل البابا فرنسيس عمل المشاركين في لقاء في لقاء اللّجنة الحبريّة لأمريكا اللّاتينيّة مع المؤسّسات والهيئات العاملة في مجال معونة الكنيسة في القارّة إلى مريم العذراء "كي تقودهم كما فعلت مع الخدم في عرس قانا من أجل أن يصل إلى الجميع الخمر الجديد الذي يعدنا به الرّبّ". ثمّ بارك الجميع سائلًا إيّاهم ألّا ينسوا أن يُصلوا من أجله.