البابا فرنسيس: اللّه إن وثقنا فيه يحرّرنا من خطيئتنا ويفتح أمامنا أفقًا جديدًا
"إنّ اسم القدّيس بطرس، أيّ سمعان، وهو صيّادًا. وهكذا يروي لنا الإنجيل كيف رأى يسوع سمعان يغسل الشّباك مع صيادين آخرين، وكان سمعان متعَبا ومحبَطا لأنّه لم يصطد شيئًا في تلك الليلة. وهنا يفاجئه يسوع بفعل غير متوقَّع؛ حيث يصعد إلى سفينة سمعان طالبًا منه أن يُبعد قليلًا عن البَر لأنّه يريد الحديث إلى الجموع من السّفينة. علَّم يسوع بالتّالي الجموع، إلّا أنّ كلماته أعادت فتح قلب سمعان أيضًا على الثّقة، وهكذا يقوم يسوع بفعل مفاجئ آخر، قائلًا لسمعان "سِرْ في العُرْض، وأَرسِلوا شِباكَكُم لِلصَّيد".
وكانت إجابة سمعان الرّفض أوّلًا، حين قال "يا مُعَلِّم، تَعِبْنا طَوالَ اللَّيلِ ولَم نُصِبْ شَيئاً..".
إنّ سمعان وبحكم ما لديه من خبرة كصيّاد، كان بإمكانه أن يضيف "إن كنّا لم نُصب خلال اللّيل فلن نُصب نهارًا"، إلّا أنّه وبفضل وجود يسوع وبنور كلماته يقول "ولكِنِّي بِناءً على قَولِكَ أُرسِلُ الشِّباكَ". وإنّ هذه هي إجابة الإيمان، والتي نحن أيضًا مدعوّون إلى تقديمها، هي الجاهزيّة التي يطلبها اللّه من تلاميذه جميعًا، وخاصّةً مَن يتحمّلون واجب المسؤوليّة في الكنيسة.
أمّا عن طاعة بطرس الواثقة هذه، والتي أدّت إلى نتيجة عجائبية "وفعَلوا فأصابوا مِنَ السَّمَكِ شَيئًا كثيراً جدًا"، وهذا الصّيد العجائبيّ هو علامة قوّة كلمة يسوع الذي يصنع فينا أمورًا عظيمةً حين نضع أنفسنا بسخاء في خدمته.
وإنّ هذا ما يفعل يسوع مع كلٍّ منّا، يطلب منّا أن نستقبله على سفينة حياتنا كي ننطلق معه مجدّدًا مبحرين في بحر جديد نكتشف امتلاءه بالمفاجآت. وإنّ دعوة يسوع للخروج إلى بحر بشريّة زمننا، كي نكون شهود اللّطف والرّحمة، تمنح حياتنا معنًى جديدًا.
وقد نظلّ في تفاجؤ وتردُّد أمام الدّعوة التي يوجهنها إلينا المعلّم الإلهيّ، ونميل إلى رفضها معتبرين أنفسنا غير ملائمين، وهو ما فعل سمعان أيضًا حين قال عقب ما أصاب من سمك "يا ربّ، تَباعَدْ عَنِّي، إِنِّي رَجُلٌ خاطِئ. إلّا أنّه قال هذا مرتميًا عند ركبتَي يسوع معترفا به ربًّا. أمّا يسوع فيُشّجع سمعان، حيث يقول له "لا تَخَفْ! سَتَكونُ بَعدَ اليَومِ لِلبَشَرِ صَيَّادًا؛ وذلك لأنّ اللّه إن وثقنا فيه يحرّرنا من خطيئتنا ويفتح أمامنا أفقًا جديدًا: التّعاون في رسالته.
وإنّ المعجزة الكبيرة التي صنعها يسوع لسمعان والصيّادين المتعَبين والمحبَطين ليست الشّبكة الممتلئة بالسّمك، بل مساعدته إيّاهم على ألّا يسقطوا ضحايا خيبة الأمل والإحباط أمام الهزائم. لقد جعلهم ينفتحون على أن يكونوا معلِني وشهود كلمته وملكوت اللّه، وكانت إجابة التّلاميذ سريعة وتامّة "فرَجَعوا بِالسَّفينَتَينِ إِلى البَرّ، وتَركوا كُلَّ شَيءٍ وتَبِعوه". وأخيرًا، أطلُبُ من القدّيسة العذراء، مثال الالتصاق بمشيئة اللّه، أن تساعدنا على لمس جاذبيّة دعوة الرّبّ، وتجعلنا مستعدّين للتّعاون معه كي ننشر في كلّ مكان كلمته الخلاصيّة."