البابا فرنسيس: الكنيسة الأمينة لكلمة الله لا توفّر نفسها في إعلان البشارة
أرحّب بكم أنتم "أَحِبَّاءِ اللهِ الَّذينَ في رُوما" وأتمنّى لكم "النّعمة والسّلام."
لقد تمحور تأمّلكم حول كلمتين: الكتاب المقدّس والحياة. وأنا أيضًا أريد أن أقول لكم شيئًا حول هاتين الكلمتين: "إِنَّ كَلامَ اللهِ حَيٌّ ناجع" (عب ٤، ١٢): لا يموت أبدًا ولا يشيخ بل يبقى على الدّوام. كلمة الله حيّة ومن الأهميّة بمكان أن نتذكّر أنّ الرّوح القدس، المحييّ، يحبُّ أن يعمل من خلال الكتاب المقدّس. إنّ كلمة الله في الواقع تحمل إلى العالم نفس الله، وتفيض في القلوب دفء الرّبّ.
إنَّ كلمة الله في الكنيسة هي حقنة حياة لا يمكن استبدالها. لذلك نجد أنّ العظات هي أساسيّة. فالوعظ ليس تمرين بلاغة ولا مجموعة معلومات بشريّة حكيمة وإنّما هو مشاركة للرّوح القدس وللكلمة الإلهيّة الّتي لمست قلب الواعظ الّذي ينقل ذلك الدّفء وتلك المسحة. هناك كلمات عديدة تنساب على آذاننا يوميًّا وتنقل إلينا معلومات عديدة ولكن لا يمكننا أن نتخلّى عن كلمة يسوع، الكلمة الوحيدة للحياة الأبديّة والّتي نحتاج إليها يوميًّا. ما أجمل أن تصبح كلمة الله دائمًا وعلى الدّوام قلب ومحور كلّ نشاط كنسيّ؛ والقلب النّابض الّذي ينعش أعضاء الجسد. إنَّ رغبة الرّوح القدس هي أن يطبعنا ككنيسة لا تتكلّم من عندها أو عن نفسها بل تملك في قلبها وعلى شفتيها الرّبّ وتستقي يوميًّا من كلمته.
إنّ كلمة الله تعطي حياة لكلّ مؤمن وتعلّمه أن يتخلّى عن ذاته ليعلن الله. بهذا المعنى هي تعمل كسيف ذو حدّين يدخل في العمق ويميّز الأفكار والمشاعر ويُظهر الحقيقة ويجرح ليشفي. إنّ كلمة الله تحملنا على العيش بشكل فصحيّ: كالحبّة الّتي تموت لتعطي الحياة، وكالعنب الّذي من وخلال العصر يعطي الخمر، وكالزّيتون الّذي يعطي الزّيت بعد مروره في المعصرة.
إنّ الكنيسة التي تتغذّى من كلمة الله تحيا لتعلن هذه الكلمة؛ والكنيسة الأمينة لكلمة الله لا توفّر نفسها في إعلان البشارة. إنّ الكلمة الإلهيّة الّتي تخرج من الآب وتفيض على العالم تدفعها إلى أقاصي الأرض، وبالتّالي فالكتاب المقدّس هو لقاحها الأفضل ضدّ الانغلاق. إنّها كلمة الله لا كلمتنا وبالتّالي هي تنتزعنا من المحور وتحفظنا من الاكتفاء الذّاتيّ ومن الافتخار بالإنجازات الشّخصيّة وتدعونا على الدّوام للخروج من ذواتنا.
كتاب مقدّس وحياة، لنلتزم لكي تتعانق هاتان الكلمتان ولكي لا تكون أبدًا واحدة بدون الأخرى. وبالتّالي أريد أن أختم كما بدأت بعبارة للقدّيس بولس الرّسول الّذي يكتب في ختام إحدى رسائله: "وبَعدُ، أَيُّها الإِخوَة، فصَلُّوا"، وعلى مثاله أنا أيضًا أطلب منكم أن تصلّوا، ولكنَّ القدّيس بولس يحدّد هدف الصّلاة: "لِتُتابِعَ كَلِمَةُ الرَّبِّ جَرْيَها". لنصلّ إذًا ولنلتزم لكي لا يبقى الكتاب المقدّس في المكتبة بين العديد من الكتب الأخرى، وإنّما ليجري على دروب العالم. أتمنّى لكم أن تكونوا حملة صالحين لكلمة الله بالحماس عينه الّذي نقرأه خلال هذه الأيّام في الرّوايات الفصحيّة حيث نرى الجميع يركضون: النّساء، بطرس ويوحنّا وتلميذي عماوس... يركضون ليلتقوا بالكلمة الحيّة ويعلنوها. هذا ما أتمنّاه لكم جميعًا وأشكركم على كلّ ما تقومون به".