دينيّة
13 آذار 2021, 14:00

البابا فرنسيس... الصّوت الصّارخ في كنيسة العصر

ريتا كرم
13 آذار/ مارس 2013، تاريخ أشرق معه نور الرّحمة الإلهيّة من القارّة الأميركيّة اللّاتينيّة. نور عكسه راهب يسوعيّ وأسقف وديع وراعٍ صالح لأبرشيّة الأرجنتين وخادم أمين حمل مع شعبه همومهم وقضاياهم منذ أولى شرارات مسيرته الكهنوتيّة. هو البابا فرنسيس الّذي نحتفل اليوم بالذّكرى الثّامنة لانتخابه حبرًا أعظم.

 

كلّنا نتذكّر ذاك التّاريخ جيّدًا لأنّه استثنائيّ بأحداثه، فيومها أطلّ بابا البابوات من شرفة الفاتيكان على الحشود المتجمهرة هناك، بثوب أبيض متواضع لا يلفّه أيّ من مظاهر البهرجة والفخفخة، لا بل ظهر كخادم بسيط اختار أن يبادل شعبه بتحيّة سبّاقة فاجأت العالم وقادته يومها، فرغم عظمة الحدث: انتخاب البابا الـ266 للكنيسة الكاثوليكيّة، أتى السّلام بانحناءة زلزلت الضّمائر وأعادت للقيادة سلطانها وهويّتها.

ومنذ تلك السّاعة، حلّت البركة أضعافًا أضعاف في الكنيسة لأنّ راعيها الجديد لا يبخل على العالم أجمع بإظهار صورة المسيح الّتي فيه ويثبّت صخرة الإيمان من جديد في أرض ترويها أفعال لا أقوال وعناوين.

هو بطريقة عيشه الرّافضة لأيّ نمط من أنماط الرّفاهيّة والبذخ والتّبذير، وبرسائله وتعاليمه وإطلالاته ومقابلاته العامّة وزياراته الرّسوليّة والرّاعويّة، كرز بالمسيح الرّحوم والغفور والفقير والمتواضع؛ بعث روح التّجديد في أروقة الكنيسة ودوائرها فما تردّد من إعلان الخطأ وإصلاح كلّ ما كان شائعًا بشكل علنيّ، حارب الفساد والعنف والإرهاب... لم يمرّ يوم إلّا وكان يطبعه بمفاجأة تعيد الرّجاء إلى القلوب وتحيي الأمل في النّفوس. إخترق كلّ الجموع وصافح الكبار والصّغار، حضن الأطفال وعانق المرضى، زار المساجين وأمدّهم بكلمة الحياة، عاد المرضى وأسكن آلامهم، التقى الشّبيبة ونفح فيهم إيمانًا كبيرًا.

في سنوات حبريّته، علّمنا أنّ المعجزات تتحقّق من خلال الصّلاة المقرونة بالأفعال ليس فقط بالتّمتمات.

علّمنا أن ننحني لا ضعفًا بل تواضعًا، وأن نشعر مع أخينا الإنسان مهما اختلف عنّا وألّا نتخلّف عن أداء الواجب تجاهه. أعاد إلى قلوبنا الرأفة والحنان والعطف والمغفرة والرّحمة... باختصار أعاد إلينا إنسانيّتنا المفقودة، أعاد إلى البشريّة الشّعور بالأخوّة الإنسانيّة.

علّمنا أنّ الصّلاة تصنع المعجزات، وأنّ الأخطار لا تقف حاجزًا أمام زرع بذور الرّجاء والإيمان والفرح حيثما تدعو الحاجة، ولعلّ أكبر دليل كان زيارته التّاريخيّة إلى العراق، إذ لم يخف لا من وباء ولا من أيّ تهديد أمنيّ، تسلّح بالإيمان وجال في تلك الأرض المجروحة مبلسمًا آلامها ونافحًا بين شعبها، مسلمين ومسيحيّين، بذور السّلام والأخوّة، مشدّدًا المسيحيّين في العراق كما في الشّرق في أرضهم، داعيًا الجميع إلى النّظر بأمل نحو مستقبل أفضل.

فيا ربّ أعطنا أن نقتفي آثار من رسم لنا درب القداسة وعبّد طريقنا نحو الملكوت بأفعال وأقوال شكّلت ثورة في الكنيسة، واعطه أن يبقى هو الصّوت الصّارخ في البرّيّة والدّاعي دومًا إلى وليمة الحمل في وجه كلّ الظّروف والتّحدّيات.