الفاتيكان
17 أيلول 2019, 13:29

البابا فرنسيس: الشّفقة هي أيضًا لغة الله

دعا البابا فرنسيس في قدّاسه الصّباحيّ إلى الانفتاح على الشّفقة وعدم الانغلاق على اللّامبالاة، فالشّفقة تحمل الإنسان على درب العدالة الحقيقيّة وتنقذه من الانغلاق.

 

وإنطلق البابا في عظته من الإنجيل الّذي تقدّمه لنا اللّيتورجية اليوم من القدّيس لوقا الّذي يخبرنا عن لقاء يسوع بأرملة نائين الّتي كانت تبكي ابنها الوحيد فيما كانوا يحملونه إلى القبر، وقال نقلاً عن "فاتيكان نيوز": "إنَّ الإنجيليّ لا يقول إنِّ يسوع قد شعر بالشّفقة عليها وإنّما "أَخَذَتهُ الشَّفَقَةُ عَلَيها"، كما ولو أنّه كان ضحيّة لهذه الشّفقة. لقد كان يَصحَبُ المرأة جَمعٌ كَثيرٌ مِنَ المَدينَة، لكنَّ يسوع رأى واقعها: لقد بقيت وحدها حتّى نهاية حياتها، هي أرملة وفقدت الآن أبنها الوحيد. إنَّ الشّفقة في الواقع هي ما يجعلنا نفهم الواقع بعمق.

إنّ الشّفقة تجعلك ترى الواقع كما هو، الشّفقة هي كعدسة للقلب تجعلنا نفهم الأبعاد حقًّا. وفي الأناجيل نرى يسوع تأخذه الشّفقة لمرّات عديدة. فالشّفقة هي أيضًا لغة الله، وهي لا تبدأ في الكتاب المقدّس مع يسوع وإنّما نراها أيضًا في العهد القديم عندما قال الله لموسى: "لقَد رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعبِي". إلهنا هو إله شفقة، والشّفقة– إذا صحّ القول– هي ضعف الله ولكنّها أيضًا قوّته. لقد أعطانا أفضل ما عنده إذ أنّ شفقته جعلته يرسل لنا ابنه. وبالتّالي فالشّفقة هي إحدى لغات الله.

الشّفقة ليست شعورًا بالأسى نشعر به على سبيل المثال لدى رؤيتنا لكلب يموت في الشّارع، لا! الشّفقة هي أن نشارك في مشكلة الآخرين ونخاطر بحياتنا في سبيلهم. والرّبّ في الواقع يخاطر ويذهب إلى هناك".

وتوقّف البابا عند مثل آخر من الإنجيل وهو "مثل تكثير الخبز عندما قال لتلاميذه أن يعطوا الجموع ليأكلوا فيما كانوا يحاولون أن يصرفونهم، وقال إنَّ يسوع في تلك اللّحظة قد شعر بالغضب في قلبه نظرًا لجوابه: "أعطوهم أنتم ما يأكلونه!"؛ إنَّ دعوته لهم هي لكي يتحمّلوا مسؤوليّة النّاس بدون أن يفكّروا أنّه بعد يوم كهذا يمكنهم أن يعودوا إلى القرى ليشتروا الخبز. يقول لنا الإنجيل: "لَمَّا نَزَلَ إِلى البَرّ رأَى جَمعًا كثيرًا، فَأَخذَته الشَّفَقَةُ علَيهم، لِأَنَّهم كانوا كَغَنَمٍ لا راعِيَ لها"، وبالتّالي نرى من جهة تصرّف يسوع المفعم بالشّفقة ومن جهة أخرى تصرّف التّلاميذ الأنانيّ الّذين بحثوا عن حلّ لا يُلزمهم.

إذا كانت الشّفقة لغة الله، غالبًا ما تكون لغة الإنسان اللّامبالاة. كم من مرّة نتصرّف بلامبالاة، وكم من مرّة نوجّه نظرنا إلى الجهة الأخرى ونغلق هكذا باب الشّفقة. ليقم كلٌّ منّا بفحص ضمير: هل أميل بنظري عادة إلى الجهة الأخرى؟ أم أسمح للرّوح القدس بأن يحملني على درب الشّفقة الّتي هي فضيلة من الله؟

وعندما قال يسوع لتلك الأمّ: "لا تبكي!" إنّها لمسة شفقة. ثُمَّ دَنا يسوع مِنَ السَّرير، فَلَمَسَهُ فَوَقَفَ حامِلوه. فَقال: "يا فَتى، أَقولُ لَكَ: قُم!" فَجَلَسَ المَيتُ وَأَخَذَ يَتَكَلَّم، فَسَلَّمَهُ إِلى أُمِّهِ. سلّمه: إنه فعل عدالة، إنّها كلمة تستعمل في إطار العدالة وبالتّالي فالشّفقة تحملنا على درب العدالة الحقيقيّة. علينا دائمًا أن نسلّم الأشخاص ما يحقّ لهم به وهذا الأمر بإمكانه أن ينقذنا دائمًا من الأنانيّة واللّامبالاة والانغلاق على ذواتنا".

وأنهى البابا الاحتفال الافخارستيّ قائلاً: "لَمّا رَآها الرَّبّ، أَخَذَتهُ الشَّفَقَةُ عَلَيها"، ليُشفق الرّب علينا نحن أيضًا لأنّنا بحاجة إليها."