الفاتيكان
25 نيسان 2022, 09:30

البابا فرنسيس: الرّحمة الإلهيّة تعطي الفرح، ثمّ تولّد المغفرة، وأخيرًا تُعزّي في التّعب

تيلي لوميار/ نورسات
خلال مشاركته بقدّاس عيد الرّحمة الإلهيّة الّذي ترأّسه المطران رينو فيزيكيلا في بازيليك القدّيس بطرس- الفاتيكان، ألقى البابا فرنسيس عظة أكّد فيها أنّه "إذا اعتنينا بجراح القريب وسكبنا عليها بلسم الرّحمة، سيولد فينا رجاء جديد يُعزينا في تعبنا".

وقال البابا في هذا السّياق، بحسب "فاتيكان نيوز": "اليوم يظهر الرّبّ القائم من بين الأموات للتّلاميذ ولهم هم الّذين تركوه، يقدّم رحمته، مُظهرًا لهم جراحه. والكلمات الّتي وجّهها إليهم تخلّلتها تحيّة ظهرت ثلاث مرّات في إنجيل اليوم: "السّلام عليكم!". السّلام عليكم! إنّها تحيّة القائم من بين الأموات الّذي يأتي للقاء كلّ ضعف وخطأ بشريّ. لنتبع إذًا تحيّات يسوع الثّلاثة هذه السّلام عليكم: وسنكتشف فيها ثلاثة أعمال للرّحمة الإلهيّة فينا. هي أوّلاً تعطي الفرح، ثمّ تولِّد المغفرة. وأخيرًا تُعزّي في التّعب.

أوّلاً رحمة الله تُعطي الفرح، فرح خاصّ، فرح الشّعور بأنّه قد غُفر لنا بمجّانيّة. عندما رأى التّلاميذ يسوع في مساء الفصح وسمعوه يقول لهم السّلام عليكم للمرّة الأولى، فرحوا. كانوا قد حبسوا أنفسهم في البيت خوفًا؛ لكنّهم أيضًا كانوا منغلقين على أنفسهم، يسيطر عليهم الشّعور بالفشل. كانوا تلاميذ قد تركوا المُعلِّم: لقد هربوا عندما أُلقي القبض عليه. حتّى أنّ بطرس أنكره ثلاث مرّات وواحد من مجموعتهم- واحد منهم- كان الخائن. كانت لديهم أسباب لكي يشعروا ليس فقط بالخوف، وإنّما أيضًا بالفشل، وأنّهم أشخاص بلا قيمة. في الماضي، بالتّأكيد، كانوا قد قاموا بخيارات شجاعة، واتَّبعوا المعلّم بحماس والتزام وسخاء، لكن في النّهاية انهار كلّ شيء؛ وساد الخوف وارتكبوا الخطيئة العظيمة: تركوا يسوع وحده في أكثر اللّحظات مأساويّة. قبل عيد الفصح كانوا يظنّون أنّهم قد خُلقوا لأمور عظيمة، وكانوا يتجادلون حول من هو الأكبر بينهم... أمّا الآن فقد وجدوا أنفسهم في الحضيض.

في هذا الجوّ يأتي أوّل السّلام عليكم! من القائم من بين الأموات. كان على التّلاميذ أن يشعروا بالخجل، ولكنّهم يفرحون. لماذا؟ لأنّ ذلك الوجه وتلك التّحيّة وتلك الكلمات، جميع هذه الأمور تحوِّل انتباههم من أنفسهم إلى يسوع. في الواقع، "فرح التّلاميذ- يُحدِّد النّصّ- لِمُشاهَدَتِهمِ الرَّبّ". إنصرفوا عن أنفسهم وعن فشلهم وانجذبوا إلى عينيه، حيث لا توجد قساوة بل رحمة. إنَّ المسيح لم يشتكِ من الماضي، بل أعطاهم المحبّة الّتي عهِدوها. وهذا الأمر أنعشهم، وبثَّ في قلوبهم السّلام الّذي كانوا قد فقدوه، وجعلهم أشخاصًا جددًا، طهِّرتهم مغفرة أُعطيَت بدون حسابات وبدون استحقاقات. هذا هو فرح يسوع، الفرح الّذي شعرنا به نحن أيضًا عندما اختبرنا مغفرته. صدف أنّنا نشبه التّلاميذ في مساء عيد الفصح: بعد سقوط، وخطيئة، وفشل. في تلك اللّحظات يبدو أنّه لم يعد هناك أيُّ شيء يمكن القيام به. ولكن هناك بالذّات يفعل الرّبّ كلّ شيء ليمنحنا سلامه: من خلال الاعتراف، أو كلمات شخص يقترب منّا، أو تعزية روح داخليّة، أو حدث غير متوقّع ومفاجئ... بطرق مختلفة، يهتمّ الله بجعلنا نشعر بعناق رحمته، بفرح يولد من الحصول على "المغفرة والسّلام". نعم، إنّ فرح الله هو فرح يولد من المغفرة ويترك السّلام، فرح يرفع بدون إذلال. أيّها الإخوة والأخوات، لنتذكّر المغفرة والسّلام اللّذين نلناهما من يسوع، ولنضع ذكرى عناق الله وحنانه أمام ذكرى أخطائنا وسقطاتنا. هكذا سنغذّي الفرح. لأنّه لا شيء يمكنه أن يبقى كما كان في السّابق بالنّسبة للّذين يختبرون فرح الله!

ثانيًا، السّلام عليكم! قالها الرّبّ مرّة أخرى، مضيفًا: "كما أَرسَلَني الآب أُرسِلُكم أَنا أَيضًا". وأعطى التّلاميذ الرّوح القدس لكي يجعلهم وكلاء مصالحة: "مَن غَفَرتُم لَهم خَطاياهم تُغفَرُ لَهم". لم ينالوا الرّحمة وحسب، بل أصبحوا موزّعين لتلك الرّحمة عينها الّتي نالوها. لقد نالوا هذه السّلطة، ولكن ليس على أساس استحقاقاتهم، لا: إنّها عطيّة نعمة خالصة، ولكنّها تقوم على خبرتهم كأشخاص غُفِر لهم. واليوم ودائمًا في الكنيسة، يجب أن يبلغنا الغفران بهذه الطّريقة، من خلال الصّلاح المتواضع لمعرِّفٍ رحيم، يعرف أنّه ليس صاحب سلطة ما، وإنّما قناة رحمة، يسكب على الآخرين المغفرة الّتي قد نالها هو أوّلاً. "مَن غَفَرتُم لَهم خَطاياهم تُغفَرُ لَهم". هذه الكلمات هي أصل سرّ المصالحة، ولكن ليس فقط. فيسوع قد جعل الكنيسة كلّها جماعة موزِّعةً للرّحمة وعلامة وأداة مصالحة للبشريّة. أيّها الإخوة والأخوات، كلُّ فردٍ منّا قد نال الرّوح القدس في المعموديّة ليكون رجل وامرأة مصالحة. وبالتّالي عندما نختبر فرح التّحرّر من ثقل خطايانا وفشلنا؛ عندما نعرف بشكل مباشر ما معنى أن نولد من جديد، بعد خبرة يبدو أنّه لا مخرج منها، عندها سنكون بحاجة لأن نتقاسم خبز الرّحمة مع من هم حولنا. لنشعر بأنّنا مدعوّون إلى هذا. ولنسأل أنفسنا: أنا، هنا حيث أعيش، في العائلة، في العمل، في جماعتي، هل أُعزّز الشّركة، هل أنا ناسجٌ للمصالحة؟ هل ألتزم من أجل نزع فتيل النّزاعات، ولكي أحمل المغفرة حيثما توجد الكراهيّة، والسّلام حيثما توجد العداوة؟ إنَّ يسوع يبحث فينا عن شهود في العالم لكلماته هذه: السّلام عليكم!

ثالثًا السّلام عليك! يكرّر الرّبّ للمرّة الثّالثة عندما ظهر مرّة أخرى بعد ثمانية أيّام للتّلاميذ، لكي يُثبِّتَ إيمان توما العسير. أراد توما أن يرى ويلمس. والرّبّ لم يتشكّك من عدم إيمانه، بل جاء للقائه: "هَاتِ إِصبَعَكَ إِلى هُنا فَانظُرْ يَدَيَّ". إنّها ليست كلمات تحدّي، بل كلمات رحمة. فيسوع يفهم صعوبة توما: لم يعامله بقسوة فاهتزَّ الرّسول من الدّاخل بسبب هذا الكمِّ من الحبّ. وهكذا من غير مؤمنٍ أصبح مؤمنًا، وقام بأبسط وأجمل اعتراف إيمان: "ربّي وإلهي!". إنّها صلاة جميلة، يمكننا أن نجعلها خاصّةً بنا ونكرّرها خلال اليوم، لاسيّما عندما نشعر بالشّكوك والظّلام، على مثال توما. لأنّنا في توما نجد قصّة كلّ مؤمن: هناك لحظات صعبة، يبدو لنا فيها أنّ الحياة تنكر الإيمان، ونعيش فيها أزمة ونحتاج إلى أن نلمس ونرى. ولكن، مثل توما، هنا بالتّحديد نكتشف مجدّدًا قلب الرّبّ ورحمته. في هذه المواقف، لا يأتي يسوع نحونا بأسلوب مُنتَصر وأدِلَّةٍ ساحقة، ولا يصنع معجزات منمّقة، بل يقدّم علامات رحمة دافئة. يعزّينا بأسلوب إنجيل اليوم عينه، مُقدِّمًا لنا جراحه. ويجعلنا نكتشف أيضًا جراح الإخوة والأخوات.

نعم، إنّ رحمة الله في أزماتنا وجهودنا غالبًا ما تضعنا على تواصل مع آلام قريبنا. كنّا نعتقد أنّنا في قمَّة المعاناة، وفي ذروة وضع صعب، ولكنّنا اكتشفنا أنّ هناك أشخاص من خلال التزامهم للصّمت، يمرّون بظروف أسوأ من ظروفنا. وبالتّالي إذا اعتنينا بجراح القريب وسكبنا عليها بلسم الرّحمة، سيولد فينا رجاء جديد يُعزّينا في تعبنا. لنسأل أنفسنا إذًا، إذا كنّا في الآونة الأخيرة قد لمسنا جراح بعض المتألّمين في الجسد أو الرّوح؛ أو حملنا السّلام إلى جسد جريح أو روح منكسرة، أو كرّسنا بعض الوقت للإصغاء إلى الآخرين ومرافقتهم وتعزيتهم. عندما نقوم بذلك، نحن نلتقي بيسوع، الّذي ينظر إلينا برحمة من عيون الّذين تمتحنهم الحياة ويكرّر لنا: السّلام عليكم!".