الفاتيكان
04 أيار 2020, 06:30

البابا فرنسيس: الرّبّ يدعونا بأسمائنا لأنّه يحبّنا

تيلي لوميار/ نورسات
قبل صلاة "إفرحي يا ملكة السّماء" ظهر الأحد، ألقى البابا فرنسيس كلمة توجّه فيها إلى متابعيه عبر مواقع التّواصل الاجتماعيّ، وقال:

"إنَّ الأحد الرّابع بعد عيد الفصح والّذي احتفلنا به اليوم هو مكرّس للرّاعي الصّالح. يقول الإنجيل: "الخِرافُ إلى صوتِه تُصغي. يَدعو خِرافَه كُلَّ واحدٍ مِنها بِاسمِه". إنَّ الرّبّ يدعونا بأسمائنا، يدعونا لأنّه يحبّنا، ولكنّ الإنجيل يقول أيضًا إنّ هناك أصوات أخرى لا ينبغي علينا أن نتبعها: أصوات الغرباء واللّصوص والسّارقين الّذين يريدون الشّرّ للخراف.

إنّ صدى هذه الأصوات المختلفة يتردّد في داخلنا. هناك صوت الله الّذي يتحدّث إلى ضميرنا بلطف، وهناك الصّوت المجرّب الّذي يحملنا على الشّرّ. كيف يمكننا أن نعرف صوت الرّاعي الصّالح من صوت السّارق، وكيف نميّز إلهام الله من إيعازات الشّرّير؟ يمكننا أن نتعلّم أن نميِّز هذين الصّوتين: هما في الواقع يتكلّمان لغتين مختلفتين، ويملكان أساليب متناقضة في القرع على باب قلبنا. إنَّ صوت الرّبّ لا يُجبرنا أبدًا: الله يقترح نفسه ولا يفرض نفسه. أمّا الصّوت الشّرّير فيُغري ويتطاول علينا ويجبرنا: يولِّد أوهامًا لمّاعة وإنّما عابرة. تلاطفنا في البداية وتجعلنا نعتقد بأنّنا مقتدرين وأقوياء ومن ثمَّ تتركنا في فراغ داخليٍّ وتتّهمنا: "أنت لا قيمة لك"؛ أمّا صوت الله فيصلحنا وبصبر كبير، ولكنّه يشجّعنا على الدّوام ويعزّينا ويغذّي الرّجاء على الدّوام.

هناك أيضًا اختلاف آخر. صوت العدوّ يُبعدنا عن الحاضر ويريدنا أن نركّز على مخاوف المستقبل وأحزان الماضي: فيعيد إلينا المرارة وذكريات الظّلم الّذي تعرّضنا له ومن آذانا. أمّا صوت الله فيكلّمنا بالحاضر: "يمكنك الآن أن تصنع الخير، يمكنك الآن أن تمارس إبداع المحبّة، يمكنك الآن أن تتخلّى عن التّحسُّر والنّدم اللّذين يسجنان قلبك". كذلك يولّد فينا هذان الصّوتان أسئلة مختلفة. سيكون السّؤال الّذي يأتي من الله: "ما هي الأمور الّتي تنفعني؟"؛ أمّا المجرّب فيُصرُّ على سؤال آخر: "ما هي الأمور الّتي أرغب في القيام بها؟". بماذا أرغب: يتمحور الصّوت الشّرّير دائمًا حول الـ"أنا" ونزعاتها واحتياجاتها، وبكلّ شيء وعلى الفور. أمّا صوت الله فلا يعدُ أبدًا بالفرح الرّخيص: بل يدعونا للذّهاب أبعد من الـ"أنا" لكي نجد الخير الحقيقيّ والسّلام. لنتذكّر إذًا: الشّرّ لا يعطي السّلام أبدًا، يُحرّكنا ويثيرنا في البداية ومن ثمَّ يترك لنا المرارة.

في الختام، يحدّثنا صوت الله وصوت المجرّب عن "بيئتين" مختلفتين: فالعدوّ يفضّل الظّلمة والكذب والثّرثرة؛ أمّا الرّبّ فيحبّ نور الشّمس والحقيقة والوضوح الصّادق. سيقول لنا العدو: "انغلق على نفسك، لا أحد يفهمك ويصغي إليك، فلا تثق بأحد!". أمّا الخير فعلى العكس يدعونا إلى الانفتاح ولكي نكون شفّافين وواضحين ونثق بالله والآخرين. أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء في هذا الزّمن تحملنا العديد من الأفكار والهموم لكي نعود إلى ذواتنا. لنتنبّه للأصوات الّتي تصل إلى قلوبنا، ولنسأل أنفسنا من أين تأتي.  

لنطلب نعمة أن نعرف صوت الرّاعي الصّالح ونتبعه، الصّوت الّذي يخرجنا من حظيرة الأنانيّة ويقودنا إلى مراعي الحرّيّة الحقيقيّة. لتوجّه مريم العذراء، أمّ المشورة الصّالحة، مسيرة تمييزنا وترافقنا".

وعقب الصّلاة، حيّا الأب الأقدس المؤمنين وقال: "يُحتفل اليوم باليوم العالميّ للصّلاة من أجل الدّعوات. إنّ الحياة المسيحيّة هي على الدّوام جواب على دعوة الله في جميع حالات الحياة. يذكّرنا هذا اليوم ما قاله يسوع يومًا بأنّ حقل ملكوت السّماوات يتطلّب الكثير من العمل وأنّه علينا أن نرفع صلاتنا إلى الآب لكي يرسل فعلة لكي يعملوا في حقله. إنّ الكهنوت والحياة المكرّسة يتطلّبان شجاعة ومثابرة، وبدون الصّلاة لا يمكننا أن نسير قدمًا على هذا الدّرب. أدعو الجميع لكي يطلبوا من الرّبّ نعمة فعلة صالحين تكون قلوبهم وأيديهم مستعدّة لمحبّته.

مرّة أخرى أرغب في أن أعبّر عن قربي من مرضى فيروس الكورونا والّذين يكرّسون ذواتهم للعناية بجميع الّذين يتألّمون بجميع الأشكال بسبب الوباء. أرغب في الوقت عينه في أن أدعم وأشجّع التّعاون الدّوليّ الّذي يتحرّك من خلال مبادرات مختلفة لكي يجيب بشكل ملائم وفعّال على الأزمة الخطيرة الّتي نعيشها. في الواقع من الأهمّيّة بمكان أن نضع القدرات العلميّة معًا بشكل شفّاف ومتجرّد من أجل إيجاد لقاحات وعلاجات وضمان الحصول الكامل على التّكنولوجيّات الأساسيّة الّتي تسمح لكلّ شخص قد تعرّض للعدوى، في جميع أنحاء العالم، من الحصول على العلاجات الصّحّيّة الضّروريّة.

أتوجّه بفكري بشكل خاصّ إلى منظّمة "Meter" الّتي تنظّم اليوم الوطنيّ للأطفال ضحايا العنف والاستغلال واللّامبالاة. أشجّع المسؤولين والعاملين على متابعة عمل الوقاية وإيقاظ الضّمائر إلى جانب المؤسّسات التّربويّة المختلفة. وأشكر أطفال المنظّمة الّذين أرسلوا لي ملصقًا مع مئات الأزهار الّتي لوّنوها بأنفسهم.

لقد بدأنا شهر أيّار، الشّهر المريميّ بامتياز، والّذي يزور خلاله المؤمنون المزارات المكرّسة للعذراء مريم. هذه السّنة وبسبب الوضع الصّحّيّ سنزور روحيًّا أماكن الإيمان والعبادة هذه لكي نسلّم لقلب العذراء مريم القدّيسة قلقنا وانتظاراتنا ومشاريعنا للمستقبل. وبما أنّ الصلاة هي قيمة عالميّة، فقد قبلتُ اقتراح اللّجنة العليا للأخوّة الإنسانية بأن يتّحد مؤمنو جميع الدّيانات روحيًّا، في الرّابع عشر من أيّار/ مايو، في يوم صلاة وصوم وأعمال محبّة من أجل الدّعاء إلى الله لكي يساعد البشريّة على تخطّي وباء الكورونا".