الفاتيكان
03 شباط 2019, 06:00

البابا فرنسيس: الدّفاع عن الحياة يعني العناية بها وبكلّ جوانبها منذ الحبل حتّى الموت الطّبيعيّ

إستقبل البابا فرنسيس، يوم السّبت، في القصر الرّسوليّ، أعضاء مجلس إدارة الحركة الإيطاليّة من أجل الحياة. وللمناسبة، وجّه فرنسيس كلمةً جاء فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"أودُّ أوّلًا أن أُعبّر لكم عن سعادتي للقائكم، كما أشكر رئيس الحركة على كلمته التي ذكّر فيها برسالة الحركة من أجل الحياة، وأيضًا بأهميّة اليوم الوطنيّ للحياة الذي تحتفل به أبرشيّات إيطاليا كافّةً الأحد 3 شباط/ فبراير. وأُريدُ أن أُذكّركم بأنّ هذا اليوم انطلق منذ 41 سنة بمبادرة لمجلس أساقفة إيطاليا، وذلك لتسليط الضّوء كلّ سنة على القيمة الأساسيّة للحياة البشريّة، وواجب الدّفاع عنها منذ الحبل بها، وحتّى نهايتها الطّبيعيّة. وفي هذا السّياق، لا بدّ التشديد على التّمهيد العام، إذ أنّ العناية بالحياة تستدعي القيام بذلك طوال الحياة حتّى نهايتها، والانتباه إلى ظروف الحياة المختلفة، الصّحة والتّربية وفرص العمل وغيرها، أيّ كل ما يُمَكّن الشّخص من العيش بشكل كريم.

 

 

 ولهذا، لا يتمّ الدّفاع عن الحياة بأسلوب واحد فقط أو بفعل بمفرده، بل من خلال أفعال ومبادرات متعدّدة، ولا يتعلّق هذا العمل بأشخاص بعينهم أو تخصّصات محدّدة، بل يشمل كلّ مواطن والتّشابك المركَّب للعلاقات الاجتماعيّة.

 

وإنّ الحركة الإيطالية من أجل الحياة، وانطلاقًا من وعيها بهذا الأمر، تتواجد على صعيد الأراضي الإيطاليّة بالكامل، من خلال مراكز وخدمات مساعدة الحياة ودور الاستضافة، وأيضًا عبر مبادراتها الكثيرة، وتعمل منذ 43 سنة كي تكون خميرة من أجل نشر أسلوب وتطبيقات استقبال واحترام الحياة في المجتمع بكامله.

 

لذا، من الضّروري أن يكون المجتمع دائمًا حارسًا أمينًا على الحياة، لأنّ الحياة هي المستقبل، وذلك في إشارة إلى اختيار أساقفة إيطاليا موضوع الاحتفال باليوم الـ 41 للحياة هذا الأحد، "إنّها الحياة، إنّها المستقبل".

 

والاستقبال هو الذي يُعتبر محور الدّفاع عن الحياة، حيث تستقبل الأم في بطنها الحياة وتحميها، وفي هذا السّياق، أرغب في التّعبير عن تقديري لموضوع مسابقة أوروبيّة مقترحة على المدارس ألا وهو "إنّني أعتني بك، مثال الأمومة"، حيث يشكّل هذا الاختيار دعوةً إلى النّظر إلى الحبل والولادة، لا كأفعال ميكانيكيّة أو فيزيائيّة، بل في إطار العلاقة والشّركة التي تجمع الأم بطفلها.

وفي عودة إلى موضوع الاحتفال بيوم الحياة في الأبرشيّات الإيطاليّة هذه السّنة "إنّها الحياة، إنّها المستقبل"، إنّ هذا الاختيار يذكِّرنا بما جاء في سفر أشعيا "هاءنذا آتي بالجديد. وقد نبت الآن أفلا تعرفونه؟" (اش 43، 19)، أيّ كلمات الله التي تعكس قلبه الشّاب وخلقه في كلّ مرّة جمالًا غير منتظَر.

 

 

"إنّ سؤال اللّه هذا يريد أن يهزّنا من جمودنا الذي يجعلنا لا نرى العجائب التي تحدث أمامنا، بل ونعتبر هذا فعلًا نقوم به نحن، وصولًا إلى أن نمنح أنفسنا الحقّ في التّصرّف فيه كما يحلو لنا. إنّ الإنهاء الاختياريّ للحياة هو دائمًا خيانة لدعوتنا وللتّحالف الذي يجمع بين الأجيال والذي يسمح بالنّظر إلى الأمام برجاء، فحيثما توجد حياة يوجد الرّجاء. أمّا حين ننتهك ولادة الحياة، فلا يبقى هناك ذلك الاستقبال الشّاكر والمندهش بهذه العطية، بل تتحوّل الحياة إلى سلعة استهلاكيّة نستخدمها ونلقي بها.

 

 

هذه الرّؤية المنتشرة والمتجذّرة مع الأسف، بل والتي تُقدَّم على أنّها حقّ إنساني، رؤية تتسبّب في الكثير من الآلام لأكثر الأشخاص ضعفًا من بين أخوتنا، هي فعلًا مأساويّة. إلّا أنّنا لا نستسلم أبدًا، بل نواصل العمل مدركين محدوديّتنا، ولكن أيضًا قوّة الله. ووجود شباب كثيرين بين أعضاء الحركة من أجل الحياة علامة عزاء، وأشكر الشّبان المشاركين في اللّقاء، وأُؤكّد لهم أنّهم موردًا للحركة وللكنيسة وللمجتمع.

 

 

وأشكر أيضًا الحركة من أجل الحياة على التصاقها المعلَن والمطبَّق منذ البداية بالإيمان والكنيسة، ما يجعل أعضاءها شهودًا للرّبّ يسوع يتحلّون بالشّجاعة. كما أُحيّي الحركة على العلمانيّة التي تعمل من خلالها، علمانيّة تقوم على حقيقة كنز الحياة الذي هو قيمة إنسانيّة ومدنيّة، يجب الاعتراف بها من قِبل ذويّ الإرادة الطّيّبة جميعًا من أيّ دين أو إيمان.

 

وإنّ الحركة بعملها الثّقافيّ، قد شهدت على كون مَن يتمّ الحبل بهم هم أبناء المجتمع بكامله، وأنّ قتلهم بأعداد كبيرة بموافقة الدّول هو مشكلة خطيرة تهدّد أسس بناء العدالة، وتعيق الحلّ الصّحيح لأيّة قضيّة إنسانيّة أو اجتماعيّة أخرى.

 

وأخيرًا، أودُّ توجيه نداء إلى رجال السّياسة جميعًا، وبغضّ النّظر عن إيمانهم، أن يضعوا كحجر أوّل للخير العام الدّفاع عن حياة مَن يُنتظر أن يولدوا، وأن يدخلوا المجتمع حاملين إليه الجديد، المستقبل، الرّجاء. وأدعو السّياسيين إلى تفادي التأثّر بالتّطلّع إلى النّجاح الشّخصيّ أو المصالح الفوريّة أو الخاصّة فقط، بل إلى أن يتطلّعوا دائمًا إلى ما هو أبعد، وأن ينظروا بقلوبهم إلى الجميع.

وأتضرّع إليكم جميعًا كي يحمل يوم الحياة الذي يُحتفل به غدًا نفحة هواء نقيّ، ويُمكّن الجميع من التّأمّل والالتزام بسخاء في خدمة الحياة. أُبارككم وأطلب منكم ألّا تنسوا الصّلاة من أجلي."