البابا فرنسيس: الثّالوث ليس أحجية لاهوتيّة بل هو سرُّ قرب الله الرّائع
وبحسب "فاتيكان نيوز"، ترأّس البابا فرنسيس القدّاس الإلهيّ الّذي أُقيم في ساحة كافور، بحضور عدد كبير من المؤمنين. وألقى عظة جاء فيها:
"ما الإِنسانُ فَتُجرِيَ لَهُ ذِكرًا؟" هكذا صلّينا في المزمور، وقد أتت إلى ذهني هذه الكلمات عندما فكّرت فيكم. إزاء ما عشتموه وتألّمتموه، وإزاء البيوت المنهارة والمباني المدمّرة يأتي هذا السّؤال: ما الإِنسانُ؟ يبدو أنَّ الجواب يأتي من تمام الجملة: ما الإِنسانُ فَتُجرِيَ لَهُ ذِكرًا؟ إنّ الله يذكرنا هكذا كما نحن مع ضفّنا. وبينما تُنسى على الأرض أمور كثيرة الله لا يتركنا أبدًا في النّسيان.
الذكرى هي كلمة أساسيّة للحياة. لنطلب نعمة أن نتذكّر يوميًّا أنَّ الله لا ينسانا وأنّنا أبناؤه المحبوبون والفريدون: أن نتذكّر هذا الأمر يعطينا القوّة لكي لا نستسلم إزاء صعوبات الحياة. لكي نحرّر قلوبنا من الماضي الّذي يعود ومن الذّكريات السّلبيّة الّتي تسجننا والنّدم الّذي يشلّنا نحن بحاجة لشخص يساعدنا على حمل الأثقال التي في داخلنا. ويقول لنا يسوع اليوم أنَّ هناك العديد من الأمور الّتي "لا نُطيق الآنَ حَملَها". وماذا يفعل إزاء ضعفنا؟ لا يزيل لنا الأثقال، كما نريد نحن الّذين نبحث على الدّوام عن الحلول السّريعة والسّطحيّة، لا! بل يعطينا الرّوح القدس الّذي يحوّل ذاكرتنا المستعبدة إلى ذاكرة حرّة، وجراح الماضي إلى ذكريات خلاص، ويحقّق فينا ما حقّقه بيسوع: تحوّلت جراحه بفضل قوّة الرّوح القدس إلى قنوات رحمة تشعُّ منها محبّة الله. وهذا ما يحققه الرّوح القدس فينا أيضًا عندما ندعوه إلى جراحنا؛ هو يمسح الذّكريات السّيّئة ببلسم الرّجاء، لأنّ الرّوح القدس هو الّذي يعيد بناء الرّجاء.
الرّجاء. عن أيّ رجاء نتحدّث؟ ليس مجرّد رجاء عابر! إنّ رجاء الرّوح القدس هو رجاء يدوم ولا يفقد صلاحيّته لأنّه يقوم على أمانة الله. كذلك رجاء الرّوح القدس ليس مجرّد تفاؤل بل هو رجاء يترك في داخلنا السّلام والفرح بغضِّ النّظر عمّا يحصل في الخارج. إنَّه رجاء يملك جذورًا قويّة لا يمكن لأيّة عاصفة من عواصف الحياة أن تقلعه. إنّه رجاء "لا يخيّب" كما يقول القدّيس بولس. وعندما نتعرّض للمحن أو نُجرح نحن نميل للانغلاق على أحزاننا ومخاوفنا، لكنَّ الروح القدس يحرّرنا من انغلاقنا ويجعلنا نحلّق ويفتح أمامنا المخطّط الرّائع الّذي ولدنا من أجله. إنّ الرّوح القدس يغذّينا بالرّجاء الحيّ، لنطلب منه أن يأتي إلينا وسيقترب منّا.
القرب هو الكلمة الثّالثة والأخيرة الّتي أريد ان أتقاسمها معكم. نحتفل اليوم بعيد الثّالوث المقدّس. الثّالوث ليس أحجية لاهوتيّة بل هو سرُّ قرب الله الرّائع. مع الله لا تبقى أثقال الحياة على كاهلنا: إنَّ الرّوح القدس الّذي نذكره في كلِّ مرّة نرسم إشارة الصّليب يأتي ليعطينا القوّة ويشجّعنا في حمل الأثقال. هو في الواقع اختصاصيّ في الإقامة والإنهاض وإعادة البناء. هناك حاجة لقوّة أكبر للإصلاح وللبدء من جديد وللمصالحة، وهذه هي القوّة الّتي يعطينا الله إيّاها".
وإختتم البايا فرنسيس: "أيّها الأخوة والأخوات الأعزّاء، لقد جئت اليوم لكيّ أكون قريبًا منكم، أنا هنا لأرفع الصّلاة معكم إلى الله الّذي يذكرنا ولكيّ لا ينسى أحد منّا الأشخاص الّذين يعيشون في صعوبة ومحنة. أرفع صلاتي إلى إله الرّجاء لكيّ لا يهزَّ ما هو غير ثابت على الأرض اليقينَ الّذي نحمله في داخلنا. أرفع صلاتي إلى الإله القريب لكيّ يولِّد تصرّفات قرب ملموسة. "ما الإِنسانُ فَتُجرِيَ لَهُ ذِكرا؟" ليساعدنا الله الّذي يذكرنا، الله الّذي يشفي ذكرياتنا الجريحة ويمسحها بالرّجاء، الله الّذي هو قريب ليرفعنا من الدّاخل، لكيّ نكون بناة للخير ومعزّين للقلوب. "ما الإِنسانُ؟" إنّه حلمك الأكبر يا ربّ والّذي تذكره على الدّوام. إجعلنا نتذكّر نحن أيضًا أنّنا في العالم لكيّ نعطي الرّجاء والقرب، لأنّنا أبناءك يا إله كلِّ تعزية".