البابا فرنسيس: التعرّض لأحد أعضاء الكنيسة هو التعرّض للمسيح نفسه!
"مع حدث رجم إسطفانوس يظهر شخص، بالإضافة إلى بطرس، حاضر وحازم في كتاب أعمال الرسل وهو "شاب يُدعى شاول" (أعمال 7، 58). يتمُّ وصفه في البداية كشخص يوافق على موت إسطفانوس ويريد أن "يُفسِد في الكَنيسة" (أعمال 8، 3)؛ ولكنّه فيما بعد سيصبح الأداة المختارة من الله لكي يعلن الإنجيل إلى الأمم.
بإذن عظيم الكهنة لاحق شاول المسيحيين وألقى القبض عليهم، وكان يقوم بذلك معتبرًا أنّه يخدم شريعة الرب؛ ويكتب القديس لوقا أنَّ صدرَ شاول كان "يَنفُثُ تَهديدًا وتَقتيلاً لِتَلاميذِ الرَّبّ" (أعمال 9، 1): لقد كان في داخله نفس موت لا حياة. يُقدَّم الشاب شاول كشخص متشدّد، أيّ كشخص يُظهر تعصّبًا وعدم تسامح تجاه من يفكّر بأسلوب مختلف عنه، فيجعل هويته السياسيّة أو الدينية مُطلقة ويحوّل الآخر إلى عدوٍّ مُفترض تنبغي محاربته. لكن فقط وبعد أن حوّله المسيح سيُعلِّم أنّ الصّراع الحقيقي "ليس مع اللَّحمَ والدَّم، بل مع أَصحابِ الرِّئاسةِ والسُّلطانِ ووُلاةِ هذا العالَم، عالَمِ الظُّلُمات، والأَرواحِ الخَبيثةِ" (أفسس 6، 12). سيعلِّمُ أنّه لا يجب محاربة الأشخاص وإنّما الشرَّ الذي يُلهم أعمالهم.
إنّ حالة شاول المتشدّدة والنزاعية تدعو كلّ فرد منّا لكي يسأل نفسه: كيف أعيش حياة الإيمان الخاصة بي؟ هل أذهب للقاء الآخرين أمّ أنني ضدّ الآخرين؟ هل يجعلني الإيمان بالله أكثر دماثة أم أكثر عداوة تجاه من هو مختلف عنّي؟ يخبر القديس لوقا أنّه وفيما كان شاول منكبًّا على القضاء على الجماعة المسيحية، كان الرب يسير خلفه ليلمس قلبه ويعيده إليه. هذا هو أسلوب الرب: هو يلمس القلب. لقد أخذ القائم من الموت المبادرة وأظهر نفسه لشاول على طريق دمشق، وعن هذا الحدث يخبرنا كتاب أعمال الرسل ثلاث مرات. من خلال المتغيِّرَين "النور" و"الصوت"، اللذين يميّزان الظهورات الإلهية، يظهر القائم من الموت لشاول ويطلب منه أن يؤدّي الحساب على حنقه القاتل للإخوة قائلاً: "شاوُل، شاوُل، لِماذا تَضطَهِدُني؟" (أعمال 9، 4). يُظهِر القائم من الموت هنا كونه واحدًا مع الذين يؤمنون به، وبالتالي فالتعرّض لأحد أعضاء الكنيسة هو التعرُّض للمسيح نفسه!
صوت يسوع لشاول: "قُم فادخُلِ المَدينة، فيُقالَ لَكَ ما يَجِبُ علَيكَ أَن تَفعَلِ". فنَهَضَ شاولُ عنِ الأَرض وهُو لا يُبصِرُ شَيئًا، لأنّه قد أصبح أعمى، ومن رجل قوي، صاحب سلطة ومستقلّ أصبح ضعيفًا معوزًا وبحاجة للآخرين. لقد أبهره نور المسيح وتركه أعمى، فظهرت هكذا أيضًا إلى الخارج ما كانت حقيقته الداخلية أي عماه تجاه الحقيقة والنور الذي هو المسيح. من هذا التحدّي بين شاول والقائم من الموت يبدأ التحوّل الذي يُظهر فصح شاول الشخصي وعبوره من الموت إلى الحياة: أيّ ما كان مجدًا في السابق أصبح "نفاية" ينبغي رميها للحصول على الربح الحقيقي الذي هو المسيح والحياة في المسيح. فنال بولس المعمودية، وطبعت المعموديّة بالنسبة لشاول، كما هو الأمر بالنسبة لكلِّ فرد منّا، بداية حياة جديدة ترافقها نظرة جديدة حول الله وحول الذات وحول الآخرين الّذين تحوّلوا من أعداء إلى إخوة في المسيح.
لنطلب من الرب أن يجعلنا نختبر نحن أيضًا على مثال شاول تأثير محبّته التي وحدها بإمكانها أن تحوّل قلب الحجر إلى قلب لحم (راجع حزقيال 11، 19) قادر على أن يقبل "الشُّعور الَّذي هو أَيضًا في المَسيحِ يَسوع" (فيليبي 2، 5)".
المصدر: فاتيكان نيوز