الفاتيكان
02 أيلول 2020, 09:25

البابا فرنسيس: التّضامن اليوم هو السّبيل للذّهاب نحو عالم ما بعد الوباء

تيلي لوميار/ نورسات
"أصبح مبدأ التّضامن الآن ضروريًّا أكثر من أيّ وقت مضى"، هذا ما أكّده البابا فرنسيس خلال المقابلة العامّة اليوم، والّتي أجراها في باحة القدّيس دامازو في الفاتيكان، وقال فيها نقلاً عن "فاتيكان نيوز":

"لقد أبرز الوباء الحاليّ ترابطنا ببعضنا البعض في الخير والشّرّ. لذلك، وللخروج من هذه الأزمة بشكل أفضل، علينا أن نقوم بذلك معًا، جميعًا، في التّضامن.

كعائلة بشريّة لدينا أصل مشترك في الله. نحن نعيش في بيت مشترك، الكوكب- البستان الّذي وضعنا الله فيه؛ ولدينا وجهة مشتركة في المسيح. لكن عندما ننسى هذا كلّه، يصبح اعتمادنا المتبادل تبعيّة البعض للبعض الآخر، ممّا يزيد من عدم المساواة والتّهميش؛ فيضعف النّسيج الاجتماعيّ وتتدهور البيئة. لذلك، أصبح مبدأ التّضامن الآن ضروريًّا أكثر من أيّ وقت مضى، كما علّم القدّيس يوحنّا بولس الثّاني. ففي عالم مترابط، نختبر ما يعنيه العيش في "القرية العالميّة" عينها؛ ولكنّنا لا نحوّل دائمًا هذا التّرابط إلى تضامن. إنّ الأنانيّة الفرديّة والقوميّة وأنانيّة جماعات السّلطة، والصّلابة الأيديولوجيّة، تغذّي هيكليّات الخطيئة.

إنَّ كلمة "تضامن" قد تآكلت قليلاً وأحيانًا يساء أيضًا تفسيرها، لكنّها تشير إلى أكثر من مجرّد عدد قليل من أعمال السّخاء المتفرقة. هي تتطلّب خلق ذهنيّة جديدة تفكّر من منظور الجماعة، في أولويّة حياة للجميع فيما يتعلّق بالاستيلاء على الخيور من قبل البعض. وبالتّالي فهي ليست مجرّد مسألة مساعدة الآخرين وإنّما هي تتعلّق بالعدالة. إنّ الاعتماد على بعضنا البعض وحمل الثّمار يحتاج إلى جذور قويّة في الإنسان وفي الطّبيعة الّتي خلقها الله، ويحتاج إلى احترام الوجوه والأرض.

يحذّرنا الكتاب المقدّس منذ البداية. تصف رواية برج بابل ما يحدث عندما نحاول الوصول إلى السّماء- هدفنا- متجاهلين الرّابط مع البشريّة والخليقة ومع الخالق. فنبني الأبراج وناطحات السّحاب، ولكنّنا ندمر المجتمع. نوحّد المباني واللّغات، ولكنّنا نميت الغنى الثّقافي. نريد أن نكون سادة الأرض، لكنّنا ندمّر التّنوّع البيولوجيّ والتّوازن البيئيّ.

أتذكّر حكاية من العصور الوسطى تصف "متلازمة بابل". وتخبر أنّه أثناء بناء البرج، عندما كان يسقط رجل ويموت، لم يكن أحد يقول شيئًا؛ ولكن إذا سقطت لِبنَة، فكان الجميع يتذمّرون. لماذا؟ لأنّ اللّبنَ كان باهظ الثّمن. كان صنع اللّبن يستغرق وقتًا وعملاً. وكانت اللّبنة أكثر قيمة من حياة الإنسان. لكن للأسف، يمكن لأمور كهذه أن تحدث اليوم أيضًا. ينخفض جزء من السّوق الماليّة وينتشر الخبر في جميع الوكالات، فيما يسقط آلاف الأشخاص بسبب الجوع ولا أحد يتحدّث عن ذلك.

إنّ بابل والعنصرة هما على طرفي نقيض. فالرّوح القدس، النّازل من علو كالرّيح والنّار، يحلُّ على الجماعة المغلقة في العلّيّة، ويغمرها بقوّة الله، ويدفعها لكي تخرج وتعلن الرّبّ يسوع للجميع. إنّ الرّوح القدس يخلق الوحدة في التّنوّع ويخلق الانسجام. إنَّ الآخر ليس مجرّد أداة، ومجرّد "قوّة عاملة"، لكنّه يشارك بكامل ذاته في بناء الجماعة. لقد كان القدّيس فرنسيس الأسيزيّ يعرف ذلك جيّدًا، وإذ حرّكه الرّوح القدس، كان يعطي الأشخاص، لا بل جميع الخلائق اسم الأخ أو الأخت.

مع العنصرة يصبح الله حاضرًا ويُلهم إيمان الجماعة المتّحدة في التّنوّع والتّضامن. تنوّع تضامنيّ يملك "الأجسام المضادّة" لكي لا تمرض فرديّة كلّ شخص– والّتي هي هديّة فريدة وغير قابلة للتّكرار– بالفردانيّة والأنانيّة. يمتلك التّنوّع التّضامنيّ أيضًا الأجسام المضادّة من أجل علاج الهيكليّات والعمليّات الاجتماعيّة الّتي تدهورت إلى أنظمة ظلم وقمع. وبالتّالي فإنّ التّضامن اليوم هو السّبيل للذّهاب نحو عالم ما بعد الوباء، نحو شفاء أمراضنا الشّخصيّة والاجتماعيّة. تضامن يقوده الإيمان ويسمح لنا بأن نترجم محبّة الله في ثقافتنا المعولمة، ليس من خلال بناء أبراج أو جدران تقسم ومن ثمّ تنهار، ولكن عن طريق نسج الجماعات ودعم عمليّات نمو بشريّة وثابتة حقًا.

وسط الأزمات والعواصف، يسائلنا الرّبّ ويدعونا لكي نوقظ ونفعِّل هذا التّضامن القادر على إعطاء الثّبات والدّعم والمعنى لهذه السّاعات الّتي يبدو فيها أنّ كلّ شيء قد انهار. ليشجّعنا إبداع الرّوح القدس على أن نخلق أشكالاً جديدة من الضّيافة العائليّة، والأخوّة الخصبة والتّضامن الشّامل."