الفاتيكان
28 نيسان 2021, 10:20

البابا فرنسيس: التّأمّل هو وسيلة لكي نلتقي بيسوع ونجد ذواتنا

تيلي لوميار/ نورسات
تناول البابا فرنسيس في مقابلته العامّة اليوم أحد أشكال الصّلاة، ألا وهو التّأمّل"، فألقى تعليمه على مسامع المؤمنين من مكتبة القصر الرّسوليّ، فقال بحسب "فاتيكان نيوز":

"بالنّسبة للمسيحيّ، فإنّ "التّأمّل" هو البحث عن خلاصة: هو يعني أن نضع أنفسنا أمام صفحة الإلهام العظيمة لكي نحاول أن نجعلها لنا، ونأخذها على عاتقنا بالكامل. والمسيحيّ، بعد أن يكون قد قبل كلمة الله، هو يحتفظ بها في داخله، لأنّه على هذه الكلمة أن تلتقي بـ"كتاب آخر"، والّذي يسمّيه التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة "كتاب الحياة". وهذا ما نحاول أن نفعله في كلّ مرّة نتأمّل فيها في الكلمة.

حَظيَت ممارسة التّأمّل خلال السّنوات الأخيرة بقدر كبير من الاهتمام. فلا يتحدّث عنها المسيحيّون فقط: هناك ممارسة تأمّليّة في جميع ديانات العالم تقريبًا. لكنّه نشاط واسع الانتشار أيضًا بين الأشخاص الّذين ليس لديهم رؤية دينيّة للحياة. نحتاج جميعًا إلى التّأمّل والتّفكير وإعادة اكتشاف أنفسنا. في العالم الغربيّ الشَّرِه يتمُّ البحث عن التّأمّل لأنّه يمثّل حاجزًا كبيرًا ضدّ الضّغط اليوميّ والفراغ الّذي ينتشر في كلّ مكان. ها هي، إذن، صورة الشّباب والكبار الّذين يجلسون في صمت وعيون نصف مغلقة... وماذا يفعل هؤلاء الأشخاص؟ يتأمّلون. إنّها ظاهرة يجب أن ننظر إليها بتقدير: في الواقع نحن لم نُخلق لكي نركض باستمرار، نحن نملك حياة داخليّة ولا يمكن أن تُداس على الدّوام. لذلك فإنّ التّأمّل هو حاجة للجميع.

لكنّنا نتنبّه أنّ هذه الكلمة، إذا قُبِلَت في سياق مسيحيّ، تأخذ خصوصيّة لا يجب إلغاؤها. إنّ الباب الكبير الّذي تمرّ من خلاله صلاة المُعمَّد– ونُذكِّر به مرّة أخرى–  هو يسوع المسيح. إنَّ ممارسة التّأمّل تتبع أيضًا هذا المسار. فالمسيحيّ عندما يصلّي هو لا يطمح إلى الشّفافيّة الكاملة عن نفسه، ولا يبحث عن الجوهر الأعمق للأنا؛ إنَّ الصّلاة المسيحيّة هي أوّلاً لقاء مع الآخر. إذا كانت خبرة الصّلاة تمنحنا السّلام الدّاخليّ، أو ضبط النّفس، أو الوضوح حول المسيرة الّتي يجب أن نقوم بها، فإنّ هذه النّتائج، إذا جاز التّعبير، هي آثار جانبيّة لنعمة الصّلاة المسيحيّة الّتي هي اللّقاء بيسوع.

إنَّ مصطلح "تأمّل" قد أخذ معانٍ مختلفة عبر التّاريخ. وداخل المسيحيّة أيضًا هو يشير إلى خبرات روحيّة مختلفة. ومع ذلك، يمكن تتبّع بعض الخطوط المشتركة، وفي هذا يساعدنا أيضًا التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، الّذي يقول: "طرائق التّأمُّل متنوِّعة بعدد المُعلِّمين الرّوحيِّين... لكنَّ الطّريقة ليست سوى دليل، المهمُّ هو التّقدُّم، مع الرّوح القدس، على طريق الصّلاة الوحيد، يسوع المسيح" (عدد 2707).

لذلك، توجد طرق عديدة للتّأمّل المسيحيّ: بعضها بسيط جدًّا، والبعض الآخر أكثر تنظيمًا؛ بعضها يبرز البعد الفكريّ للشّخص البشريّ، والبعض الآخر يبرز البعد العاطفيّ. جميعها مهمّة وتستحقّ أن تتمَّ مُمارستها، بقدر ما يمكنها أن تساعد خبرة الإيمان في أن تصبح فعلاً كاملاً للشّخص البشريّ: ليس فقط عقل الإنسان هو الّذي يصلّي، كذلك أيضًا ليست مشاعره وحدها هي الّتي تصلّي. لقد كان القدماء يقولون إنّ القلب هو عضو الصّلاة، وهكذا شرحوا أنّ الإنسان بكامله، بدءًا من محوره، يدخل في علاقة مع الله، وليس فقط بعض قدراته أو ملكاته العقليّة. لذلك، يجب أن نتذكّر دائمًا أنّ الأسلوب هو مجرّد طريق وليس هدفًا: وأيّ طريقة للصّلاة، إذا أرادت أن تكون مسيحيّة، تكون جزءًا من اتِّباع المسيح الّذي هو جوهر إيماننا. كذلك يحدّد التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة: "التّأمُّل يحرّك الفكر والمخيّلة والمشاعر والرّغبة. وهذا التّجييش ضروريٌّ لتعميق قناعات الإيمان وبعث ارتداد القلب وتعزيز الإرادة باتّباع المسيح. والصّلاة المسيحيّة تتوقّف بشكل تفضيليّ للتّأمُّل في أسرار المسيح" (عدد 2708).

هذه إذًا، نعمة الصّلاة المسيحيّة: المسيح ليس بعيدًا، لكنّه على الدّوام في علاقة معنا. لا يوجد جانب من جوانب شخصه الإلهيّ البشريّ لا يمكنه أن يكون مكانًا للخلاص والسّعادة لنا. كلّ لحظة من حياة يسوع على الأرض، من خلال نعمة الصّلاة، يمكنها أن تُصبح معاصرةً لنا. وبفضل الرّوح القدس، نحن أيضًا حاضرون عند نهر الأردنّ عندما نزل فيه يسوع لينال المعموديّة. نحن أيضًا جُلساء مائدة في عرسِ قانا، عندما أعطى يسوع أفضل أنواع النّبيذ لإسعاد الزّوجين. نحن أيضًا نشهد بدهشة على آلاف الشّفاءات الّتي قام بها المعلِّم. وفي الصّلاة نكون الأبرص الّذي طهُرَ، والأعمى بارطيماوس الّذي يستعيد بصره، ولعازر الّذي يخرج من القبر... لا توجد صفحة من الإنجيل لا مكان لنا فيها. إنَّ التّأمُّل، بالنّسبة لنا نحن المسيحيّين، هو وسيلة لكي نلتقي بيسوع، وبهذه الطّريقة فقط، لكي نجد ذواتنا."