الفاتيكان
23 كانون الثاني 2023, 12:50

البابا فرنسيس: الإقامة مع يسوع تتطلّب منّا الشّجاعة لكي نترك ونضع أنفسنا في مسيرة

تيلي لوميار/ نورسات
ترك كلّ شيء من أجل اتّباع يسوع كان محور كلمة البابا فرنسيس في كلمته ظهر الأحد قبيل صلاة التّبشير الملائكيّ، دعا خلالها المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس إلى التّحلّي بالشّجاعة لأجل الانطلاق في مسيرة.

وفي هذا السّياق، قال الأب الأٌقدس، منطلقًا من دعوة التّلاميذ، نقلاً عن "فاتيكان نيوز": "يروي الإنجيل الّذي تقدّمه لنا اللّيتورجيا اليوم دعوة التّلاميذ الأوائل الّذين عند بحيرة طبريّا تركوا كلّ شيء ليتبعوا يسوع. بعضهم كان قد التقاه بفضل يوحنّا المعمدان. وكان الله قد وضع فيهم بذرة الإيمان. والآن عاد يسوع لكي يبحث عنهم حيث يعيشون ويعملون. وهذه المرّة يوجّه لهما دعوة مباشرة: "اتبعاني!"؛ "فتَركا الشِّباكَ مِن ذلك الحينِ وتَبِعاه". لنتوقّف عند هذا المشهد: إنّها لحظة اللّقاء الحاسم مع يسوع؛ تلك الّتي سيتذكّرانها طوال حياتهما والّتي دخلت في الإنجيل. ومن ذلك الحين تبعا يسوع ولكي يتبعاه تركا.

التّرك من أجل الاتّباع. مع يسوع هكذا هو الأمر على الدّوام. يمكننا أن نبدأ في أن نشعر بطريقة ما بسحره، ربّما بفضل الآخرين. ومن ثمّ يمكن للمعرفة أن تصبح أكثر شخصيّة وأن تُشعل نورًا في القلب. ويصبح ذلك أمرًا جميلاً نريد أن نشاركه: "هل تعلم، لقد تأثّرتُ بهذا المقطع من الإنجيل، لقد تأثّرتُ بخبرة الخدمة هذه". هكذا فعل التّلاميذ الأوائل أيضًا. ولكن، عاجلاً أم آجلاً، ستأتي اللّحظة الّتي سيكون ضروريًّا فيها أن نترك لكي نتبعه. وهناك علينا أن نقرّر: هل أترك بعض الضّمانات وأرحل في مغامرة جديدة، أم أبقى مكاني؟ إنّها لحظة حاسمة لكلّ مسيحيّ، لأنّ هنا على المحكّ معنى كلّ شيء آخر. إذا لم نجد الشّجاعة لكي ننطلق في مسيرة، فهناك خطر أن نبقى متفرّجين على حياتنا وأن نعيش نصف إيمان.

لذلك، فإنّ الإقامة مع يسوع تتطلّب منّا الشّجاعة لكي نترك ونضع أنفسنا في مسيرة. ولكن ماذا علينا أن نترك؟ بالتّأكيد رذائلنا وخطايانا الّتي هي بمثابة مراسٍ توقّفنا عند الشّاطئ وتمنعنا من الإبحار. لكن علينا أيضًا أن نترك وراءنا ما يمنعنا من أن نعيش بشكل كامل، مثل المخاوف والحسابات الأنانيّة، وضمانات البقاء في أمان من خلال العيش بانحسار. وعلينا أيضًا أن نتخلّى عن الوقت الّذي يضيع في الكثير من الأشياء غير المجدية. ما أجمل أن نترك هذا كلّه لكي نعيش، على سبيل المثال، المخاطرة المتعبة وإنّما المرضية للخدمة، أو لتكريس وقت للصّلاة، فننمو في الصّداقة مع الرّبّ.

أفكّر أيضًا في عائلة شابّة تترك الحياة الهادئة لكي تنفتح على مغامرة الأمومة والأبوّة الجميلة الّتي لا يمكن التّنبّؤ بها. إنّها تضحية، لكن يكفي أن نلقي نظرة على الأطفال لكي نفهم أنّه كان من الصّواب أن نترك وتيرة ما ووسائل راحة معيّنة. أفكّر في مِهَنٍ معيّنة، على سبيل المثال طبيب أو عامل صحّيّ تخلّيا عن الكثير من وقت الفراغ لكي يدرسا ويُعدَّا نفسيهما، وهما الآن يصنعان الخير من خلال تكريس ساعات طويلة من النّهار واللّيل، والكثير من الطّاقات الجسديّة والعقليّة من أجل المرضى. بإختصار، لكي نحقّق حياتنا، علينا أن نقبل تحدّي التّرك، الّذي يدعو يسوع إليه كلّ واحد منّا.

وحول هذا الموضوع أترك لكم بعض الأسئلة. أوّلاً: هل أتذكّر "لحظة قويّة" التقيت فيها بيسوع؟ أو شيئًا جميلاً ومهمًّا حدث في حياتي لأنّني تركت أشياء أخرى أقلّ أهمّيّة؟ واليوم، هل هناك أيّ شيء يطلب منّي يسوع أن أتخلّى عنه؟ ما هي الأشياء المادّيّة، وأساليب التّفكير، والعادات الّتي يجب أن أتركها لكي أقول له حقًّا "نعم"؟ لتساعدنا العذراء مريم لكي نقول، مثلها، نعم كاملة لله، ولكي نعرف كيف نترك شيئًا لكي نتبعه بشكل أفضل."

بعد تلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ حيا البابا فرنسيس المؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس وقال: "هذا الأحد الثّالث من زمن السّنة مكرّس بطريقة خاصّة لكلمة الله. لنكتشف مجدّدًا بدهشة حقيقة أنّ الله يخاطبنا، لاسيّما من خلال الكتاب المقدّس. لنقرأه، ولندرسه، ولنتأمّل ونصلِّي به. لنقرأ كلّ يوم مقطعًا من الكتاب المقدّس، وخاصّةً من الإنجيل: هناك يتحدّث يسوع إلينا، وينيرنا، ويوجّهنا. وأذكّركم بما قلته في مناسبات أخرى: احملوا معكم إنجيلاً صغيرًا، إنجيل جيب، احملوه دائمًا معكم في الحقيبة؛ وعندما يكون هناك لحظة خلال النّهار، اقرؤوا شيئًا من الإنجيل. إنّه يسوع الّذي يرافقنا.

أودّ اليوم أن أعبّر عن أمنياتي بالسّلام والخير لجميع الّذين يحتفلون بالسّنة القمريّة الجديدة في الشّرق الأقصى وفي مختلف أنحاء العالم. ولكن، في هذه المناسبة السّعيدة، لا يسعني إلّا أن أعبّر عن قربي الرّوحيّ من جميع الّذين يعيشون لحظات محنة ناجمة عن جائحة فيروس الكورونا، على أمل أن يتمَّ التّغلّب على الصّعوبات القائمة قريبًا. أخيرًا، أتمنّى أن يتمكّن اللّطف والحساسيّة والتّضامن والوئام جميع هذه الأمور الّتي يتمّ اختبارها في العائلات الّتي تجتمع تقليديًّا هذه الأيّام أن تطبع وتميّز على الدّوام علاقاتنا، العائليّة والاجتماعيّة، لكي نتمكّن من أن نعيش حياة هادئة وسعيدة. سنة جديدة سعيدة!

يتوجّه فكري بألم بشكل خاصّ إلى ميانمار، حيث تمّ إشعال النّار في كنيسة العذراء مريم سيّدة الانتقال في قرية تشان ثار، أحد أقدم وأهمّ أماكن العبادة في البلاد. أنا قريب من السّكّان المدنيّين العُزَّل الّذين يتعرّضون في العديد من المدن لتجارب قاسية. نسأل الله أن ينتهي هذا الصّراع قريبًا ويبدأ زمن جديد من المغفرة والمحبّة والسّلام. لنرفع صلاتنا معًا إلى العذراء من أجل ميانمار. كما أدعوكم للصّلاة من أجل وضع حدّ لأعمال العنف في البيرو. إنَّ العنف يبدّد الرّجاء في حلّ عادل للمشاكل. أشجّع جميع الأطراف المعنيّة على السّير في طريق الحوار بين إخوة من الأمّة عينها، في الاحترام الكامل لحقوق الإنسان وسيادة القانون. وأتّحد مع أساقفة البيرو في القول: لا للعنف، مهما كان مصدره! يكفي موت!".

وخلص البابا فرنسيس إلى القول "تبلغنا من الكاميرون علامات إيجابيّة تجعلنا نرجو في إحراز تقدم نحو حلّ الصّراع في المناطق النّاطقة باللّغة الإنجليزيّة. أشجّع جميع الأطراف الموقّعة على الاتّفاق على المثابرة على درب الحوار والتّفاهم المتبادل، لأنّه في اللّقاء فقط يمكننا أن نخطّط للمستقبل. وفي هذه الأيّام، بينما نصلّي بشكل خاصّ من أجل الوحدة الكاملة لجميع المسيحيّين، لا ننسينَّ من فضلكم، أن نطلب السّلام من أجل أوكرانيا المعذّبة: ليعزِّ الرّبَّ ويعضُد هذا الشّعب الّذي يتألّم كثيرًا."