الفاتيكان
16 كانون الثاني 2025, 06:00

البابا فرنسيس: الإساءة للقاصرين انتهاك جسيم لوصايا الله

تيلي لوميار/ نورسات
تناول البابا فرنسيس في مقابلته العامّة، أمس الأربعاء، الأطفال الّذين يتعرّضون للإساءة وسوء المعاملة، واصفًا الأمر بالعمل الدّنيء والشّنيع، ومصنّفًا إيّاه كـ"انتهاك جسيم لوصايا الله".

وفي تفاصيل تعليمه، قال الأب الأقدس بحسب "فاتيكان نيوز": "في التّعليم الماضي تحدّثنا عن الأطفال، واليوم أيضًا سنتحدّث عن الأطفال. في الأسبوع الماضي ركّزنا على أنّ يسوع تحدّث مرارًا في عمله عن أهمّيّة حماية الصّغار وقبولهم ومحبّتهم. ومع ذلك، لا يزال هناك اليوم في العالم، مئات الملايين من القاصرين الّذين، على الرّغم من عدم بلوغهم الحدّ الأدنى لسنّ الرّشد، يجبرون على العمل ويتعرّض العديد منهم لأعمال خطيرة بشكل خاصّ. ناهيك عن الأطفال الّذين هم عبيد للإتجار لأغراض الدّعارة أو المواد الإباحيّة، والزّواج القسريّ. في مجتمعاتنا، وللأسف، هناك العديد من الطّرق الّتي يتعرّض فيها الأطفال للإساءة وسوء المعاملة. إنّ الإساءة للقاصرين، أيًّا كانت طبيعتها، هي عمل دنيء وشنيع.

إنّها ليست مجرّد آفة على المجتمع وجريمة؛ إنّه انتهاك جسيم لوصايا الله. لا ينبغي على أيّ طفل أن يتعرّض للإساءة. حتّى حالة واحدة تُعدّ أكثر من اللّازم. لذلك من الضّروريّ إيقاظ الضّمائر، وممارسة القرب والتّضامن الملموس مع الأطفال والشّباب الّذين يتعرّضون للإساءة، وفي الوقت عينه بناء الثّقة والتّآزر بين الأشخاص الّذين يلتزمون لكي يوفّروا فرصًا وأماكن آمنة لهم لكي ينموا فيها بسلام. أعرف بلدًا في أميركا اللّاتينيّة تنمو فيه ثمرة مميّزة جدًّا، تُسمّى "أراندانو" [وهو نوع من التّوت الأزرق. ولجمع الأراندانو، يتطلّب الأمر أيادي رقيقة، ولذلك يجعلون الأطفال يقومون بعمليّة الحصاد، وبالتّالي هم يستعبدونهم منذ الطّفولة من أجل جمعه. إنّ أشكال الفقر المنتشرة ونقص الأدوات الاجتماعيّة لدعم العائلات، والتّهميش الّذي ازداد خلال السّنوات الأخيرة إلى جانب البطالة وانعدام الأمن الوظيفيّ، هي عوامل تجعل الأطفال يدفعون الثّمن الأكبر. في المدن الكبرى، حيث يشتدّ التّفاوت الاجتماعيّ والانحطاط الأخلاقيّ، هناك أطفال يُستغلّون في ترويج المخدّرات وفي مختلف النّشاطات غير المشروعة. كم من هؤلاء الأطفال رأيناهم يصبحون ضحايا تتمُّ التّضحية بهم! وفي بعض الأحيان، وبشكل مأساويّ، يُدفعون لكي يصبحوا "جلّادين" لأقرانهم، بالإضافة إلى أنّهم يؤذون أنفسهم، وكرامتهم وإنسانيّتهم. ومع ذلك، عندما نصادف هذه الأرواح التّائهة في الشّارع أو في حيّ الرّعيّة، غالبًا ما نحيد نظرنا إلى الجهة الأخرى. هناك حالة أيضًا في بلدي، حيث تمّ اختطاف فتى يُدعى لوان، ولا أحد يعلم أين هو. وإحدى الفرضيّات تقول إنّه قد يكون قد أُرسل لانتزاع أعضائه لإجراء عمليّات زرع. وهذا الأمر يحدث، أنتم تعرفون ذلك جيّدًا. بعضهم يعودون مع ندبة، فيما يموت آخرون. لهذا، أودّ اليوم أن أذكر هذا الفتى، لوان.

يكلّفنا أن نعترف بالظّلم الاجتماعيّ الّذي يدفع طفلين، ربّما يعيشان في نفس الحيّ أو المربّع السّكنيّ إلى اتّخاذ مسارات ومصائر متناقضة تمامًا لأنّ أحدهما ولد في عائلة فقيرة. هوّة إنسانيّة واجتماعيّة غير مقبولة: بين من يستطيع أن يحلم ومن يُجبر على الاستسلام. لكن يسوع يريدنا جميعًا أحرارًا وسعداء، وإذا كان يحبّ كلّ رجل وامرأة كابنٍ وابنةٍ له، هو يحبّ الصّغار بكلّ حنان قلبه. لذلك، يطلب منّا أن نتوقّف ونصغي إلى آلام الّذين لا صوت لهم، والّذين لا يحصلون على التّعليم. إنّ مكافحة الاستغلال، ولاسيّما استغلال القاصرين، هي السّبيل الأساسيّ لبناء مستقبل أفضل للمجتمع بأسره.

نسأل أنفسنا إذًا: ماذا يمكنني أن أفعل؟ أوّلًا علينا أن نعترف أنّنا إذا أردنا القضاء على عمالة القاصرين، فلا يمكننا أن نكون متواطئين في ذلك. ومتى نكون كذلك؟ على سبيل المثال عندما نشتري منتجات تستخدم عمالة الأطفال. كيف يمكنني أن آكل وألبس وأنا أعلم أنّ وراء هذا الطّعام أو تلك الملابس أطفالًا يتمُّ استغلالهم، يعملون بدلًا من أن يذهبوا إلى المدرسة؟ إنّ الوعي بشأن ما نشتريه هو أوّل عمل لكي لا نكون متواطئين. سيقول البعض إنّنا، كأفراد، لا يمكننا أن نفعل الكثير.

صحيح، ولكن يمكن لكلّ واحد منّا أن يكون قطرة يمكنها أن تصبح بحرًا مع العديد من القطرات الأخرى. ومع ذلك، علينا أيضًا أن نذكّر أيضًا المؤسّسات، بما في ذلك المؤسّسات الكنسيّة، والشّركات بمسؤوليّتها: يمكنها أن تحدث فرقًا من خلال تحويل استثماراتها إلى الشّركات الّتي لا تستخدم أو تسمح بعمالة القاصرين. لقد سنّت العديد من الدّول والمنظّمات الدّوليّة قوانين وتوجيهات ضدّ عمالة القاصرين، ولكن0 يمكن فعل المزيد. أحثّ الصّحفيّين أيضًا على القيام بدورهم: بإمكانهم أن يساهموا في زيادة الوعي بالمشكلة والمساعدة في إيجاد حلول لها.

أشكر جميع الّذين لا يغضّون الطّرف عندما يرون الأطفال يُجبرون على أن يصبحوا بالغين في سنّ مبكرة جدًّا. لنتذكّر دائمًا كلمات يسوع: "كلّما صنعتم شيئًا من ذلك لواحد من إخوتي هؤلاء الصّغار، فلي قد صنعتموه". لقد كانت القدّيسة تيريزا دي كلكوتا، العاملة السّعيدة في كرم الرّبّ، أمًّا للأطفال المنسيّين والأشدّ فقرًا. وبحنان وعناية نظرتها يمكنها أن ترافقنا لكي نرى الصّغار غير المرئيّين، عبيد عالم لا يمكننا أن نتركه لظلمه. لأنّ سعادة الأشخاص الأكثر ضعفًا تبني سلام الجميع. ومع الأمّ تيريزا نعطي صوتًا للأطفال: "أطلب مكانًا آمنًا حيث يمكنني أن ألعب. أطلب ابتسامة من شخص يعرف كيف يحبّ. أطلب الحقّ في أن أكون طفلاً، أن أكون الرّجاء لعالم أفضل. أطلب أن أكون قادرًا على النّموّ كإنسان. هل يمكنني أن أعتمد عليك؟" (القدّيسة تيريزا دي كلكوتا)."