الفاتيكان
08 حزيران 2022, 10:20

البابا فرنسيس: إنَّ المسنّين هم رسل المستقبل!

تيلي لوميار/ نورسات
في مقابلته العامّة، واصل البابا فرنسيس تعليمه حول الشّيخوخة الّتي "تتحلّى بجمال فريد" وهو مسيرتها نحو الأبديّة.

وفي تفاصيل التّعليم الأسبوعيّ، قال الأب الأقدس بحسب "فاتيكان نيوز": "من بين المسنّين البارزين في الأناجيل نجد نيقوديمُس- أحد رؤساء اليهود- الّذي وإذ أراد أن يتعرّف على يسوع، ذهب إليه سرًّا في اللّيل. وفي المحادثة بين يسوع ونيقوديمُس، يظهر جوهر وحي يسوع ورسالته الفدائيّة، عندما يقول: "إنّ الله أحبّ العالم حتّى إنّه جاد بابنه الوحيد لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة".

قال يسوع لنيقوديمُس إنّه "لكي يرى المرء ملكوت الله" عليه "أن يولد من علُ". إنّها ليست مسألة أن يولد المرء من جديد، بتكرار مجيئنا إلى العالم، على أمل أن يفتح تقمُّص تجسّد جديد إمكانيّاتنا لحياة أفضل. إنَّ هذا التّكرار لا معنى له. لا بل هو سيفرغ الحياة المعاشة من جميع معانيها، ويمحوها كما لو كانت مجرّد تجربة فاشلة، وقيمة منتهية الصّلاحيّة، وفراغ يضيع. لا ليس الأمر هكذا. هذه الحياة هي ثمينة في عيني الله: هي تجعلنا كائنات يحبّها بحنان. و"الولادة من علُ"، الّتي تسمح لنا "بالدّخول" إلى ملكوت الله، هي ولادة في الرّوح، عبور في الماء نحو أرض الميعاد لخليقة مُتصالحة مع محبّة الله.

أساء نيقوديمُس فهم هذه الولادة، وأشار إلى الشّيخوخة كدليل على استحالة ذلك: فالإنسان يشيخ حتمًا، ويختفي حلم الشّباب الأبديّ نهائيًّا، والفناء هو مصير أيّ ولادة في الزّمن. فكيف يمكنه أن يتخيّل مصيرًا يأخذ شكل ولادة؟ إنّ اعتراض نيقوديمُس مفيد جدًّا بالنّسبة لنا. يمكننا في الواقع أن نقلبه، في ضوء كلمة يسوع، في اكتشاف رسالة خاصّة بالشّيخوخة. في الواقع، الشّيخوخة ليست أبدًا عقبة أمام الولادة من علُ الّتي يتحدّث عنها يسوع، ولكنّها تصبح الزّمن المناسب لإنارتها، وتحريرها من سوء فهم رجاء ضائع. إنَّ عصرنا وثقافتنا، اللّذين يظهران ميلًا مقلقًا إلى اعتبار ولادة ابنٍ كمجرَّد مسألة بسيطة تتعلق بالتّكاثر البيولوجيّ للإنسان، يعزّزان بعدها أسطورة الشّباب الأبديّ كهوس- يائسٍ- بجسد غير قابل للفساد. لماذا يتمُّ- من نواح كثيرة- احتقار الشّيخوخة؟ لأنّها تحمل دليلاً دامغًا للتّخلّي عن هذه الأسطورة، الّتي تريد أن تعيدنا إلى حشا الأمّ، لكي نعود شبابًا في الجسد.

تسمح التّقنيّة لهذه الأسطورة بأن تجذبها من جميع النّواحي: في انتظار هزيمة الموت، يمكننا أن نحافظ على الجسد حيًّا بالأدوية ومستحضرات التّجميل الّتي تُبطِّئ وتخفي وتزيل الشّيخوخة. بالطّبع، الرّفاهيّة هي شيء ما، وتغذية الأسطورة هي شيء آخر تمامًا. ولكن، لا يمكننا أن ننكر أنَّ الخلط بين الجانبين يخلق ارتباكًا عقليًّا معيّنًا. إنَّ الحياة في الجسد الفاني هي تحفة فنّيّة جميلة "غير مكتملة": مثل بعض الأعمال الفنّيّة الّتي لها سحر فريد في عدم اكتمالها. لأنّ الحياة هنا على الأرض هي "خطوة ابتدائيّة"، وليست إنجازًا: نأتي إلى العالم هكذا، كأشخاص حقيقيّين، يتقدّمون في السّنِّ ولكنّهم يبقون حقيقيّين للأبد. لكن الحياة في الجسد البشريّ هي فسحة وزمن صغير جدًّا لكي نحافظ على سلامة حياتنا في زمن العالم ونُتمِّم الجزء الأثمَنَ فيها. يقول يسوع إنّ الإيمان، الّذي يقبل بالإعلان الإنجيليّ لملكوت الله الّذي هو وجهتنا، له تأثير أوّليّ رائع، فهو يسمح لنا "برؤية" ملكوت الله. فنصبح قادرين حقًّا على رؤية العديد من علامات اقتراب رجائنا في تحقيق ما يحمل في حياتنا علامة الهدف نحو أبديّة الله. والعلامات هي علامات المحبّة الإنجيليّة، الّتي أنارها يسوع بطرق عديدة، وإذا كان بإمكاننا "أن نراها"، فيمكننا أيضًا "أن ندخل" الملكوت من خلال عبور الرّوح القدس في الماء الّذي يُجدّد.

الشّيخوخة هي الحالة، الّتي مُنحت لكثيرين منّا، وحيث يمكن استيعاب معجزة هذه الولادة من علُ بشكل حميم وجعلها ذات مصداقيّة للجماعة البشريّة: فهي لا تنقل الحنين إلى الولادة في الزّمن، وإنّما الحبّ للوجهة النّهائيّة. من هذا المنظور، تتحلّى الشّيخوخة بجمال فريد: نحن نسير نحو الأبديّة. لا أحد يستطيع أن يدخل حشا أمِّه مرّة أخرى، أو حتّى في بديلها التّكنولوجيّ والاستهلاكيّ. سيكون الأمر محزنًا، حتّى لو كان ذلك ممكنًا. إنَّ المسنَّ يسير إلى الأمام، نحو وجهته، نحو سماء الله. لذلك، فالشّيخوخة هي زمن خاصّ لحلِّ المستقبل من الوهم التّكنوقراطيّ لبقاء بيولوجيّ وروبوتيّ، وإنّما وبشكل خاصّ لأنّها تنفتح على حنان حشا الله الّذي يخلق ويولِّد. وهنا أودّ التّأكيد على هذه الكلمة: حنان المسنّين. انظروا إلى الجدّ أو الجدّة كيف ينظران إلى الأحفاد، وكيف يتعاملون معهم: ذلك الحنان، الحرِّ من جميع التّجارب البشريّة، والّذي انتصر على التّجارب البشريّة وهو قادر على أن يعطي الحبّ بمجّانيّة، والقرب المحبّ للآخرين. وهو يفتح لنا الباب لكي نفهم حنان الله. لا ننسينَّ أبدًا أنّ روح الله هو قرب ورحمة وحنان. هكذا هو الله، هو يعرف كيف يقترب بحنان. والشّيخوخة تساعدنا لكي نفهم هذا البعد لحنان الله. الشّيخوخة هي زمن خاصّ لحلِّ المستقبل من الوهم التّكنوقراطيّ. إنّها زمن حنان الله الّذي يخلق دربًا لنا جميعًا. ليمنحنا الرّوح القدس إعادة فتح هذه الرّسالة الرّوحيّة- والثّقافيّة- للشّيخوخة، الّتي تصالحنا مع الولادة من علُ. إنَّ المسنّين هم رسل المستقبل، المسنّون هم رسل الحنان، إنّهم رسل حكمة حياة مُعاشة. لنمضِ قدمًا ولننظر إلى المسنّين."