أوروبا
13 أيلول 2023, 11:15

البابا فرنسيس: إنّ إصرار الصّلاة هو أوّل شكل من أشكال الجرأة

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة اللّقاء الدّوليّ للصّلاة من أجل السّلام الّذي نظّمته جماعة سانت إيجيديو في برلين من العاشر وحتّى الثّاني عشر من أيلول/ سبتمبر الجاري، وجّه البابا فرنسيس رسالة إلى المشاركين كتب فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"تجتمعون هذا العام في برلين، عند بوّابة براندنبورغ، مع الزّعماء المسيحيّين وقادة الأديان العالميّة والسّلطات المدنيّة، الّذين تجمعهم جماعة سانت إيجيديو، الّتي تواصل بأمانة مسيرة الصّلاة والحوار الّتي بدأها القدّيس يوحنّا بولس الثّاني في أسيزي عام ١٩٨٦. إنَّ المكان الّذي تلتقون فيه هو مكان مثير للذّكريات بشكل خاصّ لأنّ فيه وقع حدث تاريخي: سقوط الجدار الّذي يفصل بين الألمانيّتين. لقد كان هذا الجدار يقسم أيضًا عالمين، أوروبا الغربيّة وأوروبا الشّرقيّة. وسقوطه، الّذي حدث مع احتشاد عوامل مختلفة، وشجاعة الكثيرين وصلوات الكثيرين، فتح آفاقًا جديدة: الحرّيّة للشّعوب، ولمّ شمل العائلات، وإنّما أيضًا الرّجاء في سلام عالميّ جديد، بعد الحرب الباردة.

من المؤسف أنّه على مرّ السّنين لم يتمّ البناء على هذا الرّجاء المشترك، وإنّما على مصالح معيّنة وانعدام الثّقة تجاه الآخرين. لذا، بدلاً من هدم الجدران، تمّ بناء جدران أخرى. ومن الجدار إلى الخندق، لسوء الحظّ، غالبًا ما تكون الخطوة قصيرة. واليوم، لا تزال الحرب تدمّر أجزاء كثيرة من العالم: أفكّر في العديد من مناطق أفريقيا والشّرق الأوسط، وإنّما أيضًا في العديد من المناطق الأخرى من الكوكب؛ وفي أوروبا، الّتي تعيش الحرب في أوكرانيا، صراع رهيب لا نهاية له تسبَّب في قتلى وجرحى وألم ونزوح ودمار.

في العام الماضي كنت معكم في روما، في الكولوسيوم، للصّلاة من أجل السّلام. لقد سمعنا صرخة السّلام تُنتهك وتُداس. وقلت في ذلك اليوم: "إنّ توسّل السّلام لا يمكن قمعه: فهو يرتفع من قلوب الأمّهات، ومكتوب على وجوه اللّاجئين، والعائلات الهاربة، والجرحى والمحتضرين. وهذه الصّرخة الصّامتة ترتفع إلى السّماء. هي لا تعرف صيغًا سحريّة لكي تخرج من الصّراعات، لكن لديها الحقّ المقدّس في طلب السّلام باسم الآلام الّتي تعانيها، وتستحقّ بأن يتمَّ الإصغاء إليها. وتستحقُّ بأن ينحني الجميع، بدءًا من الحكّام، لكي يصغوا إليها بكلّ جدّيّة واحترام. إنّ صرخة السّلام تعبّر عن ألم ورعب الحرب، أم جميع أشكال الفقر".

إزاء هذا السّيناريو، لا يمكننا أن نستسلم. هناك حاجة إلى شيء أكبر. هناك حاجة لـ"جرأة السّلام" الّتي هي في محور لقائكم. إنَّ الواقعيّة ليست كافية، ولا تكفي أيضًا الاعتبارات السّياسيّة ولا الجوانب الاستراتيجيّة الّتي تمّ وضعها حيّز التّنفيذ حتّى الآن؛ وإنّما هناك حاجة إلى المزيد، لأنّ الحرب مستمرّة. نحن بحاجة لجرأة السّلام: الآن، لأنّ عددًا كبيرًا من الصّراعات لا يزال مستمرًّا، لدرجة أنّ بعضها يبدو وكأنّه لن ينتهيَ أبدًا، وهكذا في عالم يتحرّك فيه كلّ شيء إلى الأمام بسرعة، وحدها نهاية الحروب تبدو بطيئة. هناك حاجة لشجاعة أن نعرف كيف ننعطف، على الرّغم من العقبات والصّعوبات الموضوعيّة. إنّ جرأة السّلام هي النّبوءة المطلوبة من الّذين يمسكون بين أيديهم مصير البلدان الّتي تعيش في حالة حرب، ومن المجتمع الدّوليّ، ومنّا جميعًا، ولاسيّما من الرّجال والنّساء المؤمنين، لكي يعطوا صوتًا لصرخات الأمّهات والآباء، وعذاب الّذين سقطوا، وعبث الدّمار، ويستنكروا لجنون الحرب.

نعم، إنّ جرأة السّلام تُسائل المؤمنين بطريقة خاصّة، وتتحوّل فيهم إلى صلاة، لكي يطلبوا من السّماء ما يبدو مستحيلًا على الأرض. إنَّ إصرار الصّلاة هو أوّل شكل من أشكال الجرأة. ويشير المسيح في الإنجيل إلى "وجوب المداومة على الصّلاة من غير ملل"، ويقول: "اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يفتح لكم". نحن لا نخاف من أن نصبح متسوّلين للسّلام، من خلال الاتّحاد مع الأخوات والإخوة من الدّيانات الأخرى، وجميع الّذين لا يستسلمون لحتميّة الصّراعات. وأنا أتّحد مع صلواتكم من أجل نهاية الحروب، وأشكركم من أعماق قلبي على ما تقومون به.

في الواقع، لا بدّ من أن نمضي قدمًا لعبور جدار المستحيل، الّذي بُني على منطق يبدو غير قابل للدّحض، على ذكرى آلام الماضي العديدة والجراح الكبيرة الّتي عانينا منها. إنّه أمر صعب، ولكنّه ليس مستحيلاً. وهذا ليس مستحيلاً على المؤمنين الّذين يعيشون جرأة الصّلاة المفعمة بالرّجاء. ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك مستحيلاً حتّى بالنّسبة للسّياسيّين، والمسؤولين، والدّبلوماسيّين. لنواصل الصّلاة من أجل السّلام دون كلل، لنقرع بروح متواضعة ومُصرّة على باب قلب الله المفتوح دائمًا وعلى أبواب البشر. ولنطلب أن تُفتح مسارات سلام، لاسيّما لأوكرانيا العزيزة والمعذّبة. لنتحلّى بالثّقة بأنّ الرّبّ يصغي دائمًا إلى صرخة ألم أبنائه. إستجبنا يا ربّ!".