الفاتيكان
24 آب 2022, 12:30

البابا فرنسيس: إنّ أجمل ما في الحياة لم يُرَ بعد!

تيلي لوميار/ نورسات
إختتم البابا فرنسيس صباحًا تعليمه حول الشّيخوخة، خلال المقابلة العامّة، منطلقًا من الاحتفال قبل أيّام بعيد انتقال السّيّدة العذراء بالنّفس والجسد إلى السّماء.

وفي هذا السّياق، قال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "إنّ هذا السّرّ ينير اكتمال النّعمة الّتي شكّلت مصير مريم كما وينير أيضًا مصيرنا نحن. إنّ تصوير الغرب انتقال مريم العذراء إلى السّماء مرتفعة إلى العُلى ومحاطة بنور مجيد بينما يصوّرها الشّرق مستلقية، راقدة، يحيط بها الرّسل وهم يُصلُّون، بينما يحملها يسوع بين يديه مثل طفلة.

إنّ اللّاهوت قد تأمّل دائمًا في العلاقة بين سرّ الانتقال الفريد هذا والموت، علاقة لم تحدّدها العقيدة، أرى أنّ من الأهمّ توضيح علاقة هذا السّرّ بقيامة الابن من بين الأموات، الّتي تفتح لنا جميعًا طريق الولادة على الحياة. في العمل الإلهيّ الّذي جمع بين مريم والمسيح القائم من بين الأموات لم يتمّ فقط تجاوز الفساد الجسديّ الطّبيعيّ للموت البشريّ، بل لقد تمّ استباق الاكتساب الجسديّ لحياة الله، تمّ استباق القيامة كمصير يتعلّق بنا، فحسب الإيمان المسيحيّ يسوع هو الابن البكر من بين أخوة وأخوات كثيرين، الرّبّ القائم هو أوّل مَن قام ومَن ذهب إلى حيثما سنذهب نحن، هذا هو مصيرنا: القيامة.  

يمكن الحديث، وانطلاقًا من كلمات يسوع إلى نيقوديموس حول الميلاد من الرّوح، عن ولادة ثانية. فبعد الولادة على الأرض تأتي هذه الولادة الثّانية في السّماء".  

وتابع مشيرًا إلى اختيار بولس الرّسول في رسالته إلى أهل روما الحديث عن آلام المخاض، وقال: "إنّنا نحن أنفسنا أولئك الّذين خرجوا من بطن أمّهاتهم، نحن الكائنات البشريّة ذاتها الّتي كانت في بطن أمّهاتها والّتي تولد من جديد في السّماء في فضاء الله، نظلّ نحن أنفسنا مَن كانوا يسيرون على الأرض. إنّ هذا ما حدث ليسوع، فالقائم من بين الأموات هو دائمًا يسوع، فهو لم يفقد إنسانيّته ولا خبرة حياته الّتي عاشها، ولا حتّى شخصيّته الجسديّة، لأنّه من دونها لن يكون هو."

بعد ذلك لفت الأنظار إلى خبرة التّلاميذ "والّذين ظهر لهم يسوع بعد موته كاشفًا لهم الجروح الّتي كانت ختمًا لفدائه، ولكن لا كعلامة للآلام الّتي مرّ بها بل كأدلّة لا تُمحى لمحبّته الأمينة حتّى النّهاية. إنّ يسوع القائم في الجسد يعيش في حميميّة الله الثّالوثيّة والّتي لا يفقد فيها الذّكريات أو يبتعد عن تاريخه أو يلغي العلاقات الّتي عاشها على الأرض، فقد وعد أصدقاءه: "وإِذا ذَهَبتُ وأَعددتُ لَكُم مُقامًا أَرجعُ فآخُذُكم إِلَيَّ لِتَكونوا أَنتُم أَيضًا حَيثُ أَنا أَكون" (يوحنّا ١٤، ٣). إنّ يسوع قد ذهب كي يُعدّ لنا جميعًا مكانًا وسيأتي بعد ذلك لكلّ واحد منّا ليبحث عنّا ويحملنا إليه. وبهذا المعنى، فإنّ الموت هو بشكل ما اللّقاء مع يسوع الّذي ينتظرني ليأخذني إليه. إنّ القائم يعيش في عالم الله حيث هناك مكان للجميع وأرض جديدة وتُبنى المدينة السّماويّة، المسكن النّهائيّ للإنسان.

إنّ يسوع وحين يتحدّث عن ملكوت الله فإنّه يصفه كمأدبة عرس، كحفل مع الأصدقاء وكعمل من أجل هذا البيت ومفاجأة تجعل الحصاد أثرى من الزّرع." ودعا الأب الأقدس هنا إلى أخذ كلمات الإنجيل حول الملكوت مأخذ الجدّ لأنّ هذا سيُفعِّل حساسيّتنا لننعم بمحبّة الله الفاعلة والمبدعة، وسيجعلنا في تناغم مع الوجهة الفريدة لما نزرع من حياة. ثم وجّه البابا الحديث إلى المسنّين مشدّدًا على "أهمّيّة التّفاصيل في هذه المرحلة من الحياة، تفاصيل ولفتات تصبح أكثر قوّة، مثل الملاطفة والابتسامة والرّوابط الأمينة. إنّ جوهر الحياة في هذه السّنّ يبدو لنا واضحًا بقوّة، وحكمة الشّيخوخة هذه هي ما يضيء حياة الأطفال والشّباب والبالغين والجماعات بكاملها. إنّ حياتنا بكاملها تبدو كبذرة يجب غرسها تحت الأرض لتُزهر وتثمر، فهي ستولد مع بقيّة العالم، ولن يكون هذا بدون مخاض أو ألم، لكنّها ستولد. هكذا ستكون حياة جسدنا القائم من بين الأموات، حيّة مائة وألف مرّة أكثر ممّا عشناها علَى هذه الأرض.

إنّ يسوع كان يُعدّ السّمك بينما كان ينتظر التّلاميذ على شاطئ البحيرة ثمّ قدّم لهم هذا السّمك. إنّ فعل المحبّة الحنون هذا يجعلنا نتخيّل ماذا ينتظرنا حين سنتوجّه إلى الشّاطئ الآخر. إنّ أجمل ما في الحياة لم يُرَ بعد."  

وتضرّع البابا فرنسيس في الختام إلى مريم أمّ الله "كي تعيد إلينا قلق الانتظار، لأنّنا لا نتحدّث عن انتظار مخدَّر، انتظار يطبعه الملل"، مشيرًا إلى أنّ "هناك خوفًا من هذا الانتقال، إلّا أنّ هناك دائمًا يد الله الّتي تحملنا إلى الأمام، وما أن نعبر تلك البوّابة حتّى نجد الاحتفال".