البابا فرنسيس: إدانة النّفس للسّير في الحياة المسيحيّة
وفي عظته، انطلق الأب الأقدس من إنجيل القدّيس لوقا والّذي يخبرنا فيه عن يسوع الّذي صعد على سفينة بطرس وطلب منه أن يسير إلى العرض ويرسل الشّباك بعد أن كان قد تعب طوال اللّيل ولم يصب شيئًا، ففعل كذلك وَأَصابوا مِنَ السَّمَكِ شَيئًا كَثيرًا جِدًّا، وَكادَت شِباكُهُم تَتَمَزَّق". يذكّرنا هذا الحدث، يقول البابا بحسب "فاتيكان نيوز"، "بالصّيد العجائبيّ الّذي تمَّ أيضًا بعد قيامة يسوع من الموت عندما ظهر لتلاميذه عند شاطئ البحر، وفي الحالتين نجد مسحة لبطرس في الحدث الأوّل كصيّاد للبشر وفي الثّاني كراعٍ للخراف. ومن ثمَّ يبدّل يسوع اسم سمعان على بطرس، الّذي وكيهوديّ صالح يعرف جيّدًا أنّ الاسم الجديد يعني رسالة جديدة. لقد شعر بطرس بالفخر لأنّه كان يحبّ يسوع حقًّا وبالتّالي فقد شكّل هذا الصّيد خطوةً إلى الأمام في حياته.
بعد أن رأوا أنّ الشّباك كادت تتمزّق بسبب كمّيّة السّمك الّتي أصابوها، ارتَمى بطرس عِندَ رُكبَتَي يَسوع، وَقال: "يا رَبّ، تَباعَد عَنّي، إِنّي رَجُلٌ خاطِئ". إنّها الخطوة الأولى القاطعة لبطرس على درب التّتلمُذ، غذ وكتلميذ ليسوع يدين نفسه: "أنا رجل خاطئ". إنّ خطوة بطرس الأولى هذه هي الخطوة الأولى لكلِّ فرد منّا إن أراد أن يسير قدمًا في الحياة الرّوحيّة، في حياة يسوع وخدمته واتّباعه، لأنّنا إن كنّا لا ندين أنفسنا فبل يمكننا أن نسير في الحياة المسيحيّة.
ولكن هناك خطر. نعلم جميعًا أنّنا خطأة، ولكن ليس من السّهل أبدًا أن ندين أنفسنا كخطأة بشكل ملموس. لقد اعتدنا القول "أنا خاطئ" كمن يقول "أنا بشريّ" أو "أنا مواطن إيطاليّ"؛ فيما أنّ إدانة أنفسنا تعني أيضًا الشّعور ببؤسنا وضعفنا أمام الرّبّ. إنّه نوع من الشّعور بالعار، وهو ليس أمر نقوم به بالكلام وحسب وإنّما بالقلب أيضًا، وبالتّالي هو خبرة ملموسة تمامًا كخبرة بطرس عندما قال ليسوع: "تَباعَد عَنّي، إِنّي رَجُلٌ خاطِئ": لقد كان يشعر أنّه خاطئ بالفعل ومن ثمَّ شعر بأنّه مخلّص. إنَّ الخلاص الّذي يحمله لنا يسوع يحتاج لهذا الاعتراف الصّادق لأنّه ليس مجرّد تبرّج بل هو يحوِّلك ويبدِّلك، ولكي تدخل في هذا الخلاص عليك أن تعترف بخطاياك بصدق فتكتشف هكذا أيضًا دهشة بطرس.
إنّ الخطوة الأولى نحو الارتداد هي أن ندين أنفسنا فيما يخالجنا شعور بالعار على خطايانا وشعور بالدّهشة لأنّنا خُلِّصنا، ولذلك علينا أن نتوب. هناك أشخاص يعيشون من استغياب الآخرين وإدانتهم ولا يفكّرون أبدًا بأنفسهم، وعندما يذهبون للاعتراف يكون اعترافهم كالببغاء مجرّد كلمات... "فعلتُ كذا وكذا..." بدون أن يلمس هذا الاعتراف قلوبهم؛ وبالتّالي هم يذهبون على الاعتراف ليجمّلوا صورتهم ولكنَّ الخلاص لم يدخل قلوبهم بشكل كامل لأنّهم لم يفسحوا له المجال إذ لم يكونوا قادرين على إدانة أنفسهم.
الخطوة الأولى هي إذًا نعمة تجعلنا نتعلّم كيف ندين أنفسنا لا الآخرين. هناك علامة تشير إلى أنّ شخصًا ما لا يعرف كيف يدين نفسه هو عندما يكون قد اعتاد على إدانة الآخرين واستغيابهم والتّدخّل في حياتهم. وهذه علامة سيّئة جدًّا. فهل هذا ما أقوم به أنا أيضًا؟ إنّه سؤال جميل يساعدنا لنصل إلى قلوبنا. لنطلب اليوم من الرّبّ نعمة أن نقف أمامه بهذه الدّهشة الّتي يولّدها حضوره ونعمة الشّعور بأنّنا خطأة وغنمًا بشكل ملموس تمامًا كبطرس الّذي قال له: "يا رَبّ، تَباعَد عَنّي، إِنّي رَجُلٌ خاطِئ".