البابا فرنسيس: أن نكون مسيحيّين ومعمّدين أو كهنة وأساقفة هو فعل مجّانيّة تامّ
ويقول الأب الأقدس بحسب "فاتيكان نيوز": "تشير المسحة على اختيار الله وتُستعمل أيضًا لمسح الكهنة والأساقفة. نحن المسيحيّون أيضًا قد مُسحنا بالزّيت في المعموديّة. ذهب صموئيل ولكنّه لم يكن سعيدًا فوبّخه الرّبّ. كان ليسّى ثمانية أبناء فدعاهم وأجازهم واحدًا واحدًا أمام صموئيل ولدى رؤيته لألياب قال: "إِنَّ أَمامَ الرَّبِّ مَسيحَهُ". لكنّ الرّبّ قال لصموئيل: "لا تَلتَفِت إِلى مَنظَرِهِ وَطولِ قامَتِهِ. فَإِنّي قَد رَذَلتُهُ، لِأَنَّه لَيسَ كَما يَنظُرُ الإِنسان. فَإِنَّ الإِنسانَ إِنَّما يَنظُرُ إِلى العَينَين، وَأَمّا الرَّبُّ فَإِنَّهُ يَنظُرُ إِلى القَلب".
في تلك المرحلة، كان الشّباب يحاربون ضدّ الفلستيّين للدّفاع عن مملكة إسرائيل، لقد كان لديهم استحقاقاتهم لكن الرّبّ قال: "لا". في الختام قالَ صَموئيلُ لِيَسّى: "أَهَؤلاءِ جَميعُ الغِلمان؟" فَقالَ لَهُ: "قَد بَقِيَ الصَّغير، وَهُوَ يَرعى الغَنَم". لقد كان الأخير بين إخوته، شابّ عندما كان بإمكانه، كان يترك القطيع ليذهب ليرى إخوته فيما كانوا يحاربون ضدّ الفلستيّين، أمّا إخوته فكانوا يعيدونه إلى رعاية الغنم، لقد كان مهمّشًا نوعًا ما. فَأَرسَلَ يسّى وَأَتى بِهِ، وَكانَ أَشقَر، حَسَنَ العَينَينِ وَسيمَ المَنظَر. فَقالَ الرَّبّ: "قُم فَٱمسَحهُ، لِأَنَّ هَذا هُوَ". فَأَخَذَ صَموئيلُ قَرنَ الدُّهنِ، وَمَسَحَهُ مِن بَينِ إِخوَتِهِ، فَحَلَّ روحُ الرَّبِّ عَلى داوُدَ مِن ذَلِكَ اليَومِ فَصاعِدًا.
إنّها قصّة تجعلنا نفكّر وتدفعنا لكي نسأل أنفسنا كيف يمكن للرّبّ أن يختار شابًّا عاديًّا ربّما كان يتصرّف أيضًا بطريقة صبيانيّة، ولم يكن شابًّا تقيًّا يصلّي يوميًّا وكان يتوق ليصبح مثل إخوته الّذين يملكون استحقاقات أكثر منه؛ لكن وبالرّغم من ذلك اختار الله الأصغر، والأكثر محدوديّة ذلك الّذي لم يكن يملك ألقابًا أو أيّ شيء آخر، كما أنّه لم يكن قد حارب حتّى. وهذا الأمر يرينا مجّانيّة اختيار الله.
عندما يختار الله شخصًا ما، هو يظهر حرّيّته والمجّانيّة. لنفكّر بأنفسنا جميعًا نحن الموجودون هنا: لماذا اختارنا الرّبّ نحن بالذّات؟ لا ليس لأنّنا من عائلة مسيحيّة ومن ثقافة مسيحيّة... كثيرون من عائلات مسيحيّة وثقافة مسيحيّة يرفضون الرّبّ ولا يريدونه. ولكن لماذا نحن هنا ونحن مختارون من الرّبّ؟ مجّانًا وبدون أيّ استحقاق. إنّ الرّبّ قد اختارنا مجّانًا، نحن لم ندفع شيئًا لكي نصبح مسيحيّين. كذلك أيضًا نحن الكهنة والأساقفة لم ندفع شيئًا لكي نصبح كهنة وأساقفة، علمًا أنّ هناك أولئك الّذين يرغبون في التّقدّم في المراتب الكنسيّة فيتصرّفون بسيمونيّة ويبحثون عن الدّعم لكي يصبحوا كذا وكذا... إنّهم الوصوليّون... لكن هذا الأمر ليس مسيحيًّا. لأنّ واقع أن نكون مسيحيّين ومعمّدين، أو كهنة وأساقفة هو فعل مجّانيّة تامّ، لأنَّ عطايا الرّبّ لا تُشترى.
إنّ مسحة الرّوح هي مجّانيّة. فماذا يمكننا أن نفعل؟ علينا أن نصبح قدّيسين والقداسة المسيحيّة هي الحفاظ على هذه العطيّة؛ لا أكثر ولا أقلّ، وذلك من خلال عيشي بطريقة تسمح للرّبّ وعطيّته أن يبقيا في حياتي بدون أن أعتبر أنّ هذا الأمر هو استحقاق منّي. في الحياة العاديّة في الشّركات والعمل غالبًا وللحصول على مركز أعلى نتحدّث مع ذلك الموظّف أو ذلك الحاكم لكي يرفعنا منصبًا. هذه ليست عطيّة، هذه وصوليّة! أما أن نكون مسيحيّين أو كهنة أو أساقفة فهذه عطيّة وحسب. وهكذا يمكننا أن نفهم موقف التّواضع الّذي ينبغي علينا أن نتحلّى به: بدون أيّ استحقاق. علينا فقط أن نحافظ على هذه العطيّة لكي لا نفقدها. جميعنا قد مُسحنا باختيار الرّبّ وعلينا أن نحافظ على هذه المسحة الّتي جعلتنا مسيحيّين أو كهنة أو أساقفة. هذه هي القداسة، أمّا الأمور الأخرى فليس بها فائدة. علينا أن نتحلّى بتواضع الحفاظ على العطيّة. وما هي عطية الله الكُبرى؟ إنّها الرّوح القدس! عندما اختارنا الرّبّ منحنا الرّوح القدس وهذه نعمة خالصة وبدون أيّ استحقاق.
إنّ داود قد أُخذ من خلف الغنم ومن شعبه. فإن نسينا نحن المسيحيّون شعب الله، حتّى أولئك الّذين لا يؤمنون، وإن نسينا نحن الكهنة والأساقفة قطيعنا وشعرنا بأنّنا أهمُّ من الآخرين نحن ننكر عطيّة الله، كمن يقول للرّوح القدس: "عُد بسلام إلى الثّالوث الأقدس يمكنني أن أهتمّ بأموري لوحدي" وهذا الأمر ليس مسيحيًّا. وهذا ليس حفاظًا على العطيّة. وإذ نفكر بداود لنطلب من الرّبّ اليوم أن يعطينا نعمة أن نشكره على العطيّة الّتي منحنا إيّاها بأن نكون مدركين لهذه العطيّة الكبيرة والجميلة ونحافظ عليها بأمانتنا."