الفاتيكان
05 كانون الأول 2022, 12:15

البابا فرنسيس أصدر السّبت رسالة في اليوم العالميّ لذوي الاحتياجات الخاصّة، وهذا ما جاء فيها!

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة اليوم العالميّ لذوي الاحتياجات الخاصّة وجّه البابا فرنسيس يوم السّبت، رسالة كتب فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"نحن جميعًا، كما قال الرّسول بولس، نحمل كنز الحياة في آنِيَةٍ مِن خَزَف، ويدعونا اليوم العالميّ لذوي الاحتياجات الخاصّة لكي نفهم أنّ هشاشتنا لا تحجب بأيّ شكل من الأشكال "نورَ بِشارةِ مَجْدِ المسيح"، بل تكشف لنا أنّ "تِلكَ القُدرَة الفائِقَة (هي) لله لا مِن عِندِنا". في الواقع، لقد أُعطي لكلّ واحد منّا، بدون استحقاق وبدون تميِيز، الإنجيل بأكمله، ومعه المهمّة السّارّة لكي يعلنه. جميعنا مدعوّون لأن نقدّم للآخرين شهادة لمحبّة الله الخلاصيّة، الّتي تذهب أبعد من نواقصنا، وتقدّم لنا قربه، وكلمته وقوّته وتعطي معنى لحياتنا. إنَّ نَقل الإنجيل، في الواقع، ليس مهمّة محفوظة لقليلين، بل يصبح ضرورة أساسيّة لكلِّ من اختبر اللّقاء والصّداقة مع يسوع.

إنَّ الثّقة بالرّبّ يسوع، وخبرة حنانه، وتعزيّة رفقته، ليست امتيازات محفوظة لقليلين، ولا امتيازات لمن نال تنشئة مُتقنة وطويلة. أمّا رحمته فتسمح بأن يعرفها ويلتقي بها بطريقة مميّزة الّذي لا يتّكل على ونفسه ويشعر بالحاجة إلى أن يستسلم للرّبّ ويتقاسم مع الإخوة. إنّها حكمة تنمو شيئًا فشيئًا كلّما زاد وعينا لمحدوديّتنا، وتسمح لنا بأن نقدّر بشكل أكبر خيار الله المحبّ بأن ينحني على ضعفنا. إنّه إدراك يحرّرنا من حزن التّذمّر ويسمح للقلب بأن ينفتح على التّسبيح. إنَّ فرح الّذي يملأ وجه الّذي يلتقي بيسوع ويوكل إليه حياته ليس وهمًا أو ثمرة سذاجة، بل هو انبعاث قوّة قيامته في حياة مطبوعة بالهشاشة. إنّها سُلطة تعليميّة حقيقيّة للهشاشة، وإذا تمَّ الإصغاء إليها ستجعل مجتمعاتنا أكثر إنسانيّة وأخوّة، ودفعت كلّ واحدٍ منّا لكي يفهم أنّ السّعادة هي خبز لا يمكن للإنسان أن يأكله وحده. كم سيساعدنا أن ندرك أنّنا بحاجة بعضنا إلى بعض، لكي تكون علاقاتنا أقلّ عدائيّة مع الّذين هم بقربنا! وكم ستدفعنا حقيقة أنّ الشّعوب لا تخلُص وحدها، لكي نبحث عن حلول للصّراعات العبثيّة الّتي نعيشها!

نريد اليوم، أن نتذكّر آلام جميع النّساء والرّجال ذوي الاحتياجات الخاصّة الّذين يعيشون في حالة حرب، أو الّذين أصبح لديهم احتياجات خاصّة بسبب المعارك. كم من الأشخاص- في أوكرانيا وفي ميادين الحرب الأخرى- هم محبوسين في الأماكن الّتي تدور فيها المعارك وليس لديهم الإمكانيّة حتّى ليهربوا! من الأهمّيّة بمكان أن نوليهم اهتمامًا خاصًّا، وأن نسهّل بكلّ طريقة ممكنة وصولهم إلى المساعدات الإنسانيّة. إنَّ السُّلطة التّعليميّة للهشاشة هي موهبة، يمكنكم بها أنتم- أيّها الإخوة والأخوات ذوو الاحتياجات الخاصّة- أن تُغنوا الكنيسة: يمكن لحضوركم أن يساهم في تغيير الواقع الّذي نعيش فيه، وأن يجعله أكثر إنسانيّة وضيافة. بدون هشاشة ومحدوديّة وبدون عقبات يجب تجاوزها، لن يكون هناك بشريّة حقيقيّة. ولهذا يسعدني أن أرى أنّ المسيرة السّينودسيّة قد أظهرت أنّها مُناسبة ملائمة لكي نصغي أخيرًا إلى صوتكم أيضًا، وأنّ صدى هذه المشاركة قد وصل إلى وثيقة السّينودس التّحضيريّة للمرحلة القارّيّة. ونقرأ فيها: "تشير تقارير عديدة إلى عدم وجود البُنى والوسائل المناسبة لمرافقة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة، وتطلب إيجاد أساليب جديدة لقبول مساهمتهم وتعزيز مشاركتهم. على الرّغم من تعاليمها، تواجه الكنيسة خطر أن تتشبّه بالأسلوب الّذي يضع فيه المجتمع هؤلاء الأشخاص جانبًا. إنَّ أشكال التّمييز الّتي تعدّدها الوثيقة: عدم الإصغاء، عدم احترام الحقّ في اختيار المكان الّذي يعيشون فيه أو الشّخص الّذي يريدون الإقامة معه، الحرمان من الأسرار، الاتّهام بالسّحر والانتهاكات، وغيرها تصف ثقافة التّهميش تجاه الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة، وهي ليست وليدة الصّدفة بل تعود إلى الجذور عينها: فكرة أنّ حياة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة هي أقلَّ قيمة من حياة الآخرين.  

إنَّ السّينودس، بدعوته لنا بشكل خاصّ لأن نسير معًا ونصغي بعضنا إلى بعض، يساعدنا لكي نفهم كيف أنَّ في الكنيسة- حتّى فيما يتعلّق بالاحتياجات الخاصّة- لا يوجد "نحن" و"هم"، بل "نحن"، محوره يسوع المسيح، حيث يحمل كلّ واحدٍ مواهبه ومحدوديّاته. هذا الوعي، القائم على حقيقة أنّنا جميعنا جزء من البشريّة الضّعيفة عينها الّتي أخذها المسيح على عاتقه وقدَّسها، يُلغي أيّ تمييز عشوائيّ ويفتح الباب لمشاركة كلّ معمَّد في حياة الكنيسة. وأكثر من ذلك، حيث كان السّينودس إدماجيًّا حقًّا، سمح بأن تتلاشى الأحكام المسبقة المتجذّرة. إنَّ اللّقاء والأخوّة هما في الواقع، اللّذان هدما جدران عدم الفهم وتغلّبا على التّمييز؛ لهذا، أتمنّى أن تنفتح كلّ جماعة مسيحيّة على حضور الإخوة والأخوات ذوي الاحتياجات الخاصّة، وتؤمّن لهم على الدّوام الضّيافة والإدماج الكامل. أكان الأمر يتعلّق بحالة تعنينا نحن، وليس هم، نكتشف ذلك عندما تطالنا الإعاقة بشكل مؤقّت أو بسبب عمليّة التّقدّم بالسّنِّ الطّبيعيّة أو تطال أحد أحبّائنا. في هذه الحالة، نبدأ بالنّظر إلى الواقع بعيون جديدة، ونتنبّه إلى الحاجة إلى أن نهدم أيضًا تلك الحواجز الّتي كانت تبدو في السّابق غير مهمّة. ولكن هذا كلّه، لا يلغي اليقين بأنّ أيّة حالة من حالات الإعاقة- أكانت مؤقتة أو مكتسبة أو دائمة- لا تغيّر بأيّ شكل من الأشكال طبيعتنا كأبناء للآب الواحد، ولا تُبدّل كرامتنا. إنَّ الرّبّ يحبّنا جميعًا بالمحبّة الحنونة والأبويّة وغير المشروطة عينها.

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أشكركم على المبادرات الّتي تُحيون بها هذا اليوم العالميّ للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصّة. أرافقكم بصلاتي. وأبارككم جميعًا من كلِّ قلبي، وأطلب منكم من فضلكم أن تصلّوا من أجلي."