الفاتيكان
17 أيلول 2025, 11:15

البابا: حين يبدو لنا أنّ الحياة طريق مقطوعة لنتذكّر سبت النّور

تيلي لوميار/ نورسات
متأمّلًا في سبت النّور، توجّه البابا لاون الرّابع عشر إلى المؤمنين في ساحة القدّيس بطرس ملقيًا على مسامعهم تعليمه الأسبوعيّ حول "يسوع رجاؤنا"، مشيرًا إلى أنّ الله حتّى وهو في القبر، إنّه "يهيّئ المفاجأة الأعظم".

وفي هذا السّياق، يقول البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "في مسيرتنا في التّعليم المسيحيّ حول يسوع رجاؤنا، نتأمّل اليوم في سرّ سبت النّور. ابن الله يرقد في القبر. لكن هذا "الغياب" ليس فراغًا: بل هو انتظار، امتلاء محجوب، وعد محفوظ في الظّلام. إنّه يوم الصّمت العظيم، الّذي يبدو فيه أنّ السّماء صامتة والأرض ساكنة، ولكن هناك بالذّات يتحقّق أعمق سرّ في الإيمان المسيحيّ. إنّه صمت مثقل بالمعنى، كرحم أمّ تحتضن ابنها الّذي لم يولد بعد، ولكنه حيّ.

إنّ جسد يسوع، الّذي أُنزل عن الصّليب، يُلف بعناية كما نفعل مع ما هو ثمين. يخبرنا الإنجيليّ يوحنّا أنّه دُفن في بستان، في "قبر جديد لم يكن قد وضع فيه أحد". لا شيء يُترك للصّدفة. ذلك البستان يذكّرنا ببستان عدن الّذي فقدناه، المكان الّذي كان الله والإنسان فيه متّحدين. وذلك القبر الّذي لم يُستعمل بعد يتحدّث عن أمر لم يحدث بعد: إنّه عتبة، لا نهاية. في بدء الخليقة غرس الله بستان، والآن تبدأ الخليقة الجديدة أيضًا في بستان: مع قبر مغلق سرعان ما سيفتح.

سبت النّور هو أيضًا يوم راحة. بحسب الشّريعة اليهوديّة، في اليوم السّابع لا ينبغي العمل: فبعد ستّة أيّام من الخلق استراح الله. والآن أيضًا يستريح الابن، بعد أن أكمل عمل الخلاص. لا لأنّه متعب، بل لأنّه أنهى عمله. لا لأنّه استسلم، بل لأنّه أحبّ حتّى النّهاية. لم يعد هناك ما يضاف. هذه الرّاحة هي ختم العمل المكتمل، وهي تأكيد أنّ ما كان يجب فعله قد أُنجز حقًّا. إنّها راحة مفعمة بحضور الرّبّ الخفيّ.

نحن نجد صعوبة في أن نتوقّف ونرتاح. نعيش وكأنّ الحياة لا تكفي أبدًا. نركض لننتج، لنثبت أنفسنا، لكي لا نتأخّر. لكن الإنجيل يعلّمنا أنّ التّوقّف هو فعل ثقة يجب أن نتعلّم كيف نقوم به. وبالتّالي يدعونا سبت النّور لكي نكتشف أنّ الحياة لا تعتمد دائمًا على ما نفعله، بل أيضًا على كيفيّة تركنا لما فعلناه.

في القبر، يسوع، كلمة الآب الحيّة، يصمت. لكن في هذا الصّمت تبدأ الحياة الجديدة بالتّخمّر. كالبذرة في الأرض، وكالظّلام قبل الفجر. إنّ الله لا يخاف من مرور الزّمن، لأنّه ربّ الانتظار أيضًا. هكذا يصبح وقتنا "غير المجدي"، زمن التّوقّف، والفراغ، واللّحظات العقيمة، رحمًا للقيامة. وبالتّالي كلّ صمت نقبله يمكنه أن يكون تمهيدًا لكلمة جديدة. وكلّ زمن معلّق يمكنه أن يصبح زمنًا للنّعمة إذا قدّمناه لله.

إنّ يسوع، الّذي دُفن في الأرض، هو وجه الله الوديع الّذي لا يحتلّ كلّ المساحة. هو الله الّذي يفسح المجال، الّذي ينتظر، والّذي ينسحب لكي يترك لنا الحرّيّة. هو الله الّذي يثق حتّى عندما يبدو أنّ كلّ شيء قد انتهى. ونحن، في ذلك السّبت المعلّق، نتعلّم أن لا نتعجّل القيامة: أوّلًا يجب أن نبقى، ونقبل الصّمت، ونسمح للمحدوديّة أن تعانقنا. قد نبحث أحيانًا عن إجابات سريعة وحلول فوريّة. لكن الله يعمل في العمق، في زمن الثّقة البطيء. فيصبح سبت الدّفن هكذا الرّحم الّذي يمكن أن تنبثق منه قوّة نور لا يُقهر، نور القيامة.

أيّها الأصدقاء الأعزّاء، إنّ الرّجاء المسيحيّ لا يولد في الضّجيج، بل في صمت انتظار يسكنه الحبّ. فهو ليس ثمرة نشوة، بل ثمرة الاتّكال الواثق. وهذا ما تعلّمنا إيّاه العذراء مريم: فهي تجسّد هذا الانتظار، وهذه الثّقة، وهذا الرّجاء. وعندما يبدو لنا أنّ كلّ شيء متوقّف، وأنّ الحياة طريق مقطوعة، لنتذكّر سبت النور. حتّى وهو في القبر، الله يهيّئ المفاجأة الأعظم. وإذا عرفنا أن نقبل بامتنان ما كان، سنكتشف أنّ الله، في الصِّغَر والصّمت، يحب أن يبدّل الواقع، فيجعل كلّ الأشياء جديدة بأمانة محبّته. إنّ الفرح الحقيقيّ يولد من انتظار يسكنه الإيمان الصّبور والرّجاء بأنّ ما يُعاش في المحبّة، سيقوم حتمًا إلى الحياة الأبديّة.