مصر
06 كانون الثاني 2019, 12:19

البابا تواضروس يوجّه رسالة إلى الأقباط في العالم، ما هي؟

لمناسبة عيد الميلاد المجيد، وجّه بابا الإسكندريّة بطريرك الكرازة المرقسيّة، البابا تواضروس الثّاني، رسالة تهنئة مصوّرة، نشرها المركز الإعلاميّ للكنيسة، إلى جموع الشّعب القبطيّ في كلّ العالم، فخاطبهم قائلاً بحسب "الأقباط اليوم":

"إنّ اللّه خلق الإنسان كاملاً ولكنّه كسر الوصيّة وعاش في الظّلمة، وطالبهم بنقل فرحة وحبّ الميلاد لكلّ أحد في كلّ المجتمعات التي يعيشون فيها. أُهنّئكم جميعًا بعيد الميلاد المجيد وأرجو للجميع كلّ خير وكلّ بركة في كلّ مكان، أرسل تهنئتي القلبيّة وتهنئة كلّ الكنيسة هنا في مصر أرسلها إلى الجميع، إلى جميع الآباء المطارنة والأساقفة والكهنة والشّمامسة والخدّام والخدمات والأراخنة ومجالس الكنائس والشّباب، وكلّ الشّعب والأطفال، في كلّ كنائسنا القبطيّة، في سائر قارّات العالم في أميركا الشّماليّة والجنوبيّة وأوروبا وأفريقيا وآسيا وأستراليا، وفي كلّ الأماكن التي يتواجد فيها الذين يحتفلون بعيد الميلاد المجيد وفقًا للتّقويم الشّرقيّ.

عاش الإنسان بعد أن خلقه اللّه وأراد له أن يكون إنسانًا كاملاً يعيش في إنسانيّة كاملة، وأعطاه وزوّده بكلّ المواهب الكثيرة. ولكنّ هذا الإنسان قبل الخطيئة وكسر وصيّة اللّه، وعاش في ظلمة. وهذه الظّلمة نسمّيها الظّلمة الرّوحيّة، عاش فيها الإنسان بعد أن كان يتمتّع بالحرّيّة وبالحبّ وبالوصيّة. إختار أن يعيش في الفراغ وفي اليأس وفي الخطيئة.

فقد الرّجاء وعاش في الإحباط وامتدّت الخطيئة وانتشرت إلى كلّ العالم، وصار تعبير الكتاب المقدّس"الجميع زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد اللّه". وإنهارت إنسانيّة الإنسان، وفقد الإنسان أهمّ ما عنده وهو الإنسانيّة؛ وصار الإنسان رويدًا رويدًا، وجيلاً بعد جيل، يفقد إنسانيّته ويجفّ في الحبّ الذي يعطيه هذه الإنسانيّة، وصار الإنسان جائعًا إلى الحبّ. وهذا الجوع إلى الحب جعله يعيش في هذا الفراغ الكبير جدًّا، رغم تقدّم العالم بكلّ وسائل التّواصل الشّديد بين كلّ أطراف المسكونة.

وأين العلاج؟ كان العلاج هو الحبّ. أن يأتي من يقدّم له الحبّ، وأن يأتي حبًّا فيه؛ فجاء السّيّد المسيح، كما نقرأ في الإنجيل المقدّس "هكذا أحبّ اللّه العالم حتّى بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به، بل تكون له حياة أبديّة".
وجاء السّيّد المسيح يقدّم لطفًا وحنانًا وحبًّا، وكان قصده من كلّ هذا أن يرجع الإنسان إلى إنسانيّته، ولم يكن هناك سبيل إلّا هذا الأمر، أن يتواجد اللّه معنا؛ فسار عمانوئيل اللّه معنا والكلمة صار جسدًا في وسطنا.

لم يرسل اللّه ملاكًا ولا رئيس ملائكة ولا نبيًّا ولا رجل سياسة ولا سفيرًا، ولكن جاء بنفسه؛ جاء لأنّ اللّه يحبّ الإنسان بالحقيقة وليس بالكلام، لذلك نحن نحتفل في كلّ سنة بعيد الميلاد، وتتجدّد هذه المناسبة، كأنّنا نجدّد العهد باللّه الذي أتى حبًّا فينا يقدّم لنا الحبّ لكلّ شخص.

في الميلاد المجيد نراه يحبّ القرية الصّغيرة بيت لحم، ويحبّ المدينة الكبيرة أورشليم، ونراه يحبّ الرّعاة المنسيّين وسط زحام البشر، ونراه في نفس الوقت يحبّ المجوس الذين في بلاد بعيدة عن اليهوديّة وعن أورشليم، يحبّ العذراء الفتاة الفقيرة واليتيمة، ويحبّ في نفس الوقت المرأة المترمّلة "حنّا النّبيّة". كما يحبّ يوسف النّجار الشّيخ الوقور، حارس سرّ التّجسد. ويحبّ أيضًا لشيخ الوقور القدّيس سمعان الذي انتظر مجيء المسيح. لقد أحبّ الإنسان كلّه وجاء ليشبعه من الحبّ، الحبّ الذي يحتاجه لكي ما يعود إلى انسانيّته.

لذلك في عيد الميلاد المجيد، اللّه يرسل حبّه إليك وإلى كلّ شخص يرسل هذا الحبّ ويقول لك إنّ اللّه ليس بعيدًا عنك، يقول إنّ اللّه لا ينساك أبدًا، يقول لكلّ فرد أنّ اللّه لا يكره إنسانًا؛ هو يكره خطيئة الإنسان ولكنّه يحبّ الإنسان ذاته. هو يبحث عن كلّ أحد، هو جاء لكي يملأك رجاءً وفرحًا وتهليلاً. اللّه بالحبّ يعيد إنسانيّة الإنسان.

 

لذلك أيُّها الحبيب في كلّ مكان احترس أن يجفّ قلبك من الحبّ، احترس أن يكون قلبك دافئًا بالحبّ الذي يقدّمه المسيح لك. إعرف أنّ الأمور العصريّة التي نتعامل معها والتّواصل الواسع الموجود في العالم كلّه الذي جعله قريةً صغيرةً، ولكنّ الإنسان من كثرة تعامله من الآلات جفّ قلبه من الحبّ، وازدادت ضعفات كثيرة أمام الإنسان. إزداد ضعفه في علاقاته مع الآخرين وفي حبّه للآخرين وفي حبّه للحياة. نجد في العالم ازدياد في العنف والجريمة والإرهاب والتّفكّك الأُسريّ والانحرافات المتعدّدة، وكلّ هذا لأنّ قلب الإنسان جفّ من الحبّ.

لذلك عيد الميلاد، فرصةً ورسالةً لكلّ فرد فينا أن يأتي ويشبع من هذا الحبّ، كما يقول السّيّد المسيح في العظة على الجبل "طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ .. إلى المسيح إلى الحبّ.. لأنّهم يشبعون".

أهنّئكم أيُّها الأحبّاء بهذا العيد، وبفرحة الميلاد المجيد نتذكّر أحبّائنا الشّهداء الذين يفرحون أيضًا بوجودهم في السّماء، ونتذكّر المصابين ونصلّي من أجل شفائهم، ونصلّي من أجل سلام العالم كلّه، من أجل بلادنا في مصر، ومن أجل كلّ إنسان، من أجل كلّ كنيسة وخدمتها، ونصلّي أن يرسل اللّه هذا الفرح لكلّ شخص، كما تقول أنشودة الميلاد "المجد للّه في الأعالي وعلى الأرض السّلام وفي النّاس المسرّة"، وفي النّاس الفرح.

تحيّاتي وكلّ أمنياتي لجميعكم، راجيًا لكم أيّامًا مقدّسةً في هذا العام الجديد، وفرحة الميلاد التي تملأ قلوبكم جميعًا، وتستطيعون أن تنقلوا هذا الفرح وهذا الحبّ لكلّ فرد، ولكلّ المجتمعات التي تعيشون فيها. فليبارك اللّه حياتكم ويبارك كلّ ما تمتدّ إليه أيديكم، ولإلهنا كلّ مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد، آمين."