البابا إلى الإعلام: كلّ شيء يبدأ بالإصغاء والانفتاح
وتوّقف عند "يوسف رجل الصّمت"، وقال نقلاً عن "إذاعة الفاتيكان": "قد يبدو للوهلة الأولى نقيضا لمن يعمل في مجال الاتّصالات، بينما في الواقع فإنّه بإطفاء ضجيج العالم وأيضًا ثرثرتنا يصبح الإصغاء ممكنًا، الإصغاء الّذي هو الشّرط الأوّل لأيّ تواصل. إنَّ صمت يوسف صمتٌ يسكنه صوت الله، صمت يخلق تلك الطّاعة الّتي تقود إلى ترتيب الحياة بشكل يدع مشيئة الله تقودها. وليس من الصّدفة بالتّالي أن يكون يوسف قادرًا على القيام في اللّيل لا يردعه ثقل المصاعب، قادرًا على السّير في ظلام بعض اللّحظات الّتي لا يفهمها بشكل كامل، لكنّه قويّ بفضل دعوةٍ تضعه أمام السّرّ الّذي يقبل إشراكه فيه ويسلِّم له نفسه بدون تردّد.
يوسف هو الشّخص الصّحيح القادر على تسليم الذّات لحلم الله حاملاً وعوده، إنّه حارس متواضع وحنون، يعرف كيف يعتني بالأشخاص وبالأوضاع الّتي أوكلتها الحياة إلى مسؤوليّته. إنّه أيضًا المربّي الّذي، وبدون أن يطلب شيئًا لنفسه، يصبح أبًا بفضل قدرته على المرافقة وإنماء الحياة ونقل العمل".
وأشار إلى عيد العمل وارتباطه بكرامة الشّخص، مؤكّدًا أنّ "الكرامة لا ترتبط بالمال أو الشّهرة أو السّلطة، بل بالعمل الّذي يمَكن كلّ شخص، وحسب ما يقول البابا الفخريّ بنديكتوس السّادس عشر في الرّسالة العامّة "المحبّة في الحقيقة"، من أن يخلق مشروعًا هو فعل شخصيّ، مشروعًا يظلّ فيه الشّخص وعائلته أكثر أهمّيّة من كفاءة المشروع في حدّ ذاتها كهدف".
أمّا عن أدوات العمل الّتي يستخدمها العاملون في الجريدة، فقال: "إنّها أدوات تكنولوجيّة غيّرت بشكل عميق المهنة، بل وحتّى أسلوب التّفكير والتّواصل والعلاقات. إنّ الثّقافة الرّقميّة استدعت منهم إعادة تنظيم العمل بتعاون أكبر وبتنسيق مع وسائل الاتّصالات الأخرى لمجلس أساقفة إيطاليا مثل وكالة سير للأنباء وتلفزة tv2000، وشبكة إن بلو الإذاعيّة. إنّ الشّيء ذاته يحدث في قطاع الاتّصالات في الكرسيّ الرّسوليّ، والتّفاعل المشترك الّذي توفّره المنصّة الرّقميّة يجب أن يسهِّل ويعزّز التّكامل والإدارة المشتركة والتّنسيق، وهذا التّحوّل يتطلّب مسيرة تكوين وتحديث. وإنّ التّشبّث بالماضي قد يسبّب مشاكل".
هذا وتحدّث البابا فرنسيس عن التّغيّرات الّتي يحدثها التّطوّر التّكنولوجيّ فيما يتعلّق بوسائل الاتّصالات والحصول على المعلومات والمعرفة، وقال: "إنّ الكنيسة تشعر بأنّ صوتها لا يمكن أن يغيب في هذا المشهد وذلك كي تكون أمينة لرسالتها ودعوتها إلى إعلان إنجيل الرّحمة. وإنّ وسائل الاتّصالات توفّر لنا إمكانيّة كبيرة للإسهام، من خلال خدمتنا الرّعويّة، في ثقافة اللّقاء. وللقيام بهذا فلنَعد إلى يوسف النّجار وعمله، إلى اتّصالاته والّتي محورها الحقيقة والجمال والخير العامّ، (...) وسرعة الإعلام تفوق قدرتنا على التّأمّل والتّقييم. وفي الكنيسة ونحن أيضًا معرّضون إلى تأثير ثقافة التّعجّل والسّطحيّة، حيث الأهمّيّة لا للخبرة بل لما هو فوريّ وما يمكن استهلاكه على الفور، وبدلاً من التّعمّق هناك خطر ما، خطر رعويّة التّصفيق وخطر تجانس الفكر وتخبّط الأفكار الّتي لا تلتقي. أمّا يوسف النّجار فيدعونا إلى العودة إلى البطء الصّحّيّ والهدوء والصّبر، ويذكِّرنا بصمته أنّ كلّ شيء يبدأ بالإصغاء والانفتاح على كلمة الآخر وتاريخه. والصّمت يفرض أمرين، الأوّل هو ألّا نفقد الجذور الثّقافيّة أو ندعها تتدهور، والطّريق إلى هذا هو أن نكون دائمًا في الرّبّ يسوع وصولاً إلى أن نتحلّى بتواضعه وعطفه، مجانيّته وشفقته. الأمر الثّاني هو كنيسة تعيش بالتّأمّل في وجه المسيح، ولا تجد صعوبة في التّعرّف عليه في وجه الإنسان، وتجعل هذا الوجه يسائلها. من هنا أهمّيّة الحوار الّذي ينتصر على الشّكّ ويهزم الخوف، يُشرِك، ويقيم علاقات وينمّي ثقافة تبادليّة".
هاذ ودعا الأب الأقدس مسؤولي جريدة "أفينيري" وموظّفيها إلى "ألّا يكلّوا عن البحث بتواضع عن الحقيقة بدءًا من العلاقة اليوميّة مع بشرى الإنجيل السّارّة، ولتكن هذه سياسة التّحرير للجريدة إلى جانب التّكامل الشّخصيّ، وهكذا سيكون هناك النّور الضّروريّ للتّمييز، والكلمات الحقيقيّة للمس الواقع وتسميته باسمه وتجنّب تحويله إلى مجرّد صورة كاريكاتوريّة". وحثّهم على الإصغاء والتّعمّق والمناقشة، محذّرًا من خطر اعتقاد الشّخص بأنّه قد فهم كلّ شيء، وطالب الجميع أيضًا بالمساهمة في تجاوز المواجهات العقيمة والضّارّة وبأن يكونوا بعملهم رفاق درب لجميع مَن يعملون من أجل العدالة والسّلام.
وتابع رسالته إليهم من وحي "القدّيس يوسف الّذي لا يفقد قدرته على الحلم، وحلم يوسف هو رؤية، شَجاعة وطاعة تحرّك القلب والأرجل. إنّ هذا القدّيس هو أيقونة شعبنا المؤمن الّذي يرى في الله المرجع الّذي يعانق الحياة بكاملها. وهذا الإيمان يؤثّر في الأعمال ويقود إلى عادات جيّدة، هو نظرة ترافق المسيرات وتحوِّل المشاكل إلى فرص، تُحسِّن وتبني مدينة الإنسان".
وحذّر البابا من جهة أخرى من التّمييز والتّفرقة ومن الاكتفاء بما يراه الجميع، كما طلب ألّا يملي أحد عليهم ما يجب أن يعملوه باستثناء الفقراء والآخِرين والمتألّمين. وذكّر بدعوة البابا الطّوباويّ يولس السّادس إلى الصّحفيّين الكاثوليك، في حديثه إلى العاملين في مجال الاتّصالات الاجتماعيّة عام 1971، كي لا يقدموا الأنباء المثيرة أو تلك الّتي تصنع الزّبائن، وذلك لأنّ علينا عمل الخير لمن يستمع إلينا، علينا تربيتهم على التفّكير والتّقييم.
وفي الختام، شدّد البابا فرنسيس وانطلاقًا من كلمات الطًوباويً بولس السّادس، على "ضرورة حبّ ما نعمل".