الباباوات والإرهاب… إليكم مواقف أسلاف البابا فرنسيس، خلال السنوات الماضية، بشأن ظهور الجهاد وتفشّيه!
لم يجر العمل، في السنوات الخمسة عشر الماضية، على تحليل أسباب هذه الظاهرة وما من انتقاد ذاتي جدي يحصل بشأن أشكال التمويل والإتجار بالسلاح المستورة إضافةً الى النتائج الكارثية لبعض السياسات الغربية التي تدعم وتسلح مجموعات الثوار المنظمة للإطاحة بهذا النظام او ذاك ومن ثم الاضطرار الى التعامل مع الجهات التي تم تمويلها وتسليحها. هذه كانت الحال مع القاعدة وهي الحال الآن مع داعش والمتطرفين الإسلاميين الممولين من بلدان لا تزال أوروبا والولايات المتحدة تعتبرها شريكة وحليفة دون النظر في موضوع الديموقراطية.
من المثير للاهتمام استذكار موقف القديس يوحنا بولس الثاني – الذي عايش في سنوات حياته الأخيرة الحقبة الانتقالية وبزوع الإرهاب المتطرف على المستوى العالمي – ومواقف خلفه بندكتس السادس عشر إزاء بعض الاعتداءات الخطيرة والصادمة التي تبنتها جهات إسلامية.
بُعيد اعتداءات 11 سبتمبر، قال البابا يوحنا بولس الثاني من ساحة القديس بطرس: “لا يسعني ان ابدأ دون أن أعرب عن حزني العميق إزاء الاعتداءات الإرهابية التي أدمت أمريكا وتسببت بمقتل الآلاف وجرح كثر. أود أن أتقدم بأحر التعازي لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية والشعب الأمريكي. لا يستطيع المرء إلا أن يضطرب إزاء مثل هذه الحوادث المرعبة بطريقةٍ لا توصف. أنضم الى كل الذين عبروا عن إدانتهم الشديدة مؤكداً أن سبل العنف لا تأتي أبداً بالحلول لمشاكل الإنسانية.”
وأضاف: “كان يوم البارحة يوماً أسوداً للبشرية وإهانة مروعة لكرامة البشرية. بعد أن وردني الخبر، تابعت التطورات بقلقٍ بالغ مصلياً للرب من كل قلبي. كيف يمكن لحوادث بهذه الوحشية أن تحصل؟ إن قلب الإنسان هاوية ينبثق منها في بعض الاحيان تصميمات وحشية لا سابق لها قادرة على قلب الحياة الطبيعية لأمة بأكملها رأساً على عقب في لحظةٍ واحدة.” ورفع البابا الصلوات من اجل الضحايا معرباً عن قربه من أفراد أسرهم ومشدداً على ان دوامة الكراهية والعنف لن تسود لكنه لم يأتي على ذكر الطابع الإسلامي للاعتداء.
غادر يوحنا بولس الثاني بعد أيام الى كازاخستان وهو بلد ذات أغلبية إسلامية. ودعا الجميع خلال صلاة التبشير الملائكي يوم 23 سبتمبر الى العمل معاً من أجل بناء عالم خالٍ من العنف، عالم يحب الحياة ويتطور ضمن أطر العدالة والتضامن. وأضاف: “لا يجب ان نسمح لما حصل بأن يعمق الانقسامات. لا يجب استخدام الدين أبداً كسبب للنزاع. ” وحث البابا المسيحيين والمسلمين على “الصلاة بكثافة للإله الواحد الذي خلقنا جميعاً لكي يعم السلام العالم وعسا شعوب العالم، بقوة الحكمة الإلهية، تعمل من أجل تكريس حضارة المحبة حيث لا مكان فيها للكراهية والتمييز والعنف.”
وجدد البابا دعوته هذه من ساحة القديس بطرس في الاول من يناير 2002، بمناسبة اليوم العالمي للسلام مؤكداً ان ربط العدالة بالمغفرة دائماً ما يؤثر على العلاقات بين الناس والمجتمعات والدول. وقال: “هذه الدعوة هي موجهة أولاً وبشكل أساسي الى الذين يؤمنون باللّه والى أبناء الديانات السماوية الثلاث المدعوين دائماً الى رفض العنف بطريقة حازمة. لا يستطيع أحد أن يقتل باسم اللّه الواحد والرحوم مهما كانت الاسباب. إن اللّه هو الحياة ومصدر الحياة والإيمان به يعني الشهادة لرحمته ورفض استغلال اسمه المقدس.”
وقال بعد بضعة أيام بمناسبة استقبال السلك الدبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي انه :إزاء الاعتداءات البربرية والقتل، لا تُطرح مسألة شرعية الدفاع عن النفس وحسب بل أيضاً أفضل السبل الناجعة للقضاء على الإرهاب والبحث عن العناصر الكامنة وراء هذه الأحداث والإجراءات الواجب اتخاذها من أجل تفعيل “عملية الشفاء وتخطي الخوف وتفادي إضافة الشر على الشر والعنف على العنف.”
شهدت مدريد في 11 مارس 2004 سلسلة من الهجمات الإرهابية الإسلامية التي طالت القطارات وتسببت بمقتل 191 شخص وجرح أكثر من ألفَين. فقال يوحنا بولس الثاني المريض واسير الباركنسون يوم الاحد 14 مارس: “يُصدم المرء في وجه هذه البربرية ويتساءل كيف باستطاعة النفس البشرية أن تحدث مثل هذه الآثام المقيتة. أجدد الإدانة التامة لهذه الافعال غير المبررة وأعبر مرة جديدة عن تضامني مع عائلات الضحايا وقربي من أهل الجرحى بالصلاة.” ومرةً جديدة، لم يأتي البابا على ذكر صراحةً الطابع الإسلامي للاعتداء.
واجه البابا بندكتس السادس عشر في الاشهر الأولى من حبريته تصاعداً للإرهاب في اوروبا. فتسببت سلسلة من الإنفجارات نفذها انتحاريون في العاصمة البريطانية في 7 يوليو 2005 خلال ساعة الذروة بمقتل 56 شخصاً وجرح ما يقارب الـ700. فقال البابا بعد ثلاثة أيام على وقوع الحادثة خلال صلاة التبشير الملائكي: “نشعر جميعنا بالحزن الشديد إزاء الاعتداءات البربرية التي طالت لندن. نصلي من أجل الضحايا والمصابين واهلهم إلا أننا نصلي أيضاً من أجل منفذي الاعتداء عسا اللّه يلمس قلوبهم. واقول لكل من يعززون مشاعر الكراهية ويضطلعون بهذه الأعمال الإرهابية المشينة: يحب اللّه الحياة وهو من خلقها فتوقفوا عن القتل باسم اللّه!” تغير البابا إلا أنه لم يأتي هو أيضاً على ذكر الطابع الإسلامي للاعتداء.
زار بندكتس السادس عشر، في السنة التي تلت، ألمانيا للمرة الثانية بصفته بابا. فحاضر في جامعة ريغنسبورغ. واشعل اقتباس استخدمه في كلمته للإمبراطور مانويل باليولوجوس، أُخذ في خارج إطاره واستغلته خاصةً وسائل الاعلام العربية، سلسلة من الاعتراضات والأحداث. نسوا سريعاً أن الخطاب كان أساساً يهدف الى انتقاد الغرب. فقال البابا: ” يعتبر العالم الغربي ان المنطق الوضعي وأشكال الفلسفة المستندة إليه هي وحدها الصالحة عالمياً إلا أن ثقافات العالم الدينية تعتبر اقصاء السماوي من عالمية المنطق اعتداءً على معتقداتها العميقة. إن المنطق الأصم للألوهة والذي يحصر الدين في عالم الثقافات الفرعية غير قادر على التحاور مع هذه الثقافات.”
واستقبل بندكتس السادس عشر في 25 سبتمبر 2006 – أي بعد أيام على القاء الخطاب – في كاستل غوندولفو سفراء من بلدان ذات أغلبية اسلامية فقدم تفسيراً لخطاب ريغنسبورغ للمناسبة. فاستذكر ما أكد عليه المجمع الفاتيكاني الثاني لكون الكنيسة الكاثوليكية تشكل الشرعة الاساسية للحوار الإسلامي – المسيحي. واشار الى ان الكنيسة تنظر الى المسلمين الذي يعبدون الإله الواحد الحي والرحوم باحترام شديد.
وجدد بندكتس السادس عشر التأكيد على انه لا يمكن حصر “الحوار الإسلامي – المسيحي بقرار وليد اللحظة إذ هو في الواقع ضرورة حتمية مستقبلنا مرتبطٌ بها الى حد كبير. في عالمٍ تطبعه النسبية وغالباً ما يستثني التسامي من كونية العقل، نحن بأمس الحاجة الى حوار حقيقي بين الأديان والثقافات.”
وختم البابا راتسينغر بالقول: “اصدقائي، أنا مقتنع انه في خضم العالم الذي نعيش فيه اليوم، من الضروري أن يلتزم المسيحيون والمسلمون في معالجة التحديات الكثيرة التي تواجه البشرية خاصةً في ما يتعلق بالدفاع عن كرامة الانسان والحقوق المرتبطة بها.”