الارشمندريت د. ايلي ابو شعيا ممثلا البطريرك غريغوريس الثالث للروم الكاثوليك من سيدة البير: "لا بدّ أن يتميّز الإعلام المسيحيّ عن أيّ إعلامٍ آخر"
الشكر لتيلي لوميار ونور الشرق على تنظيم هذا المؤتمر، كلمتي تصلكم من رحلتي إلى ألمانيا والنمسا وبلجيكا، لكي أوصل رسالة الكنيسة، لا سيّما في سورية، لأجل التأكيد على أهميّة الحضور المسيحيّ والدور المسيحيّ لأجل السلام في المنطقة، ولأجل حوار الإنسان مع أخيه الإنسان، لا سيّما الحوار الحياتيّ في العيش المشترك بين المسيحيّين والمسلمين في الشرق مهد المسيحيّة وملتقى الأديان والحضارات.
الإعلام رسالة عالميّة بامتياز. واليوم مع تطوّر وسائل التواصل الإجتماعيّ المذهلة، وانتشارها ومهارة الناس في استعمالها، عند كلّ فئات المجتمع، حتى الأطفال... اليوم يصبح هذا الإعلام الوسيلة الكبرى والسلاح الأقوى، يستعمل سلبًا وإيجابًا، للخير وللشرّ، للسلم وللحرب، للبناء وللهدم... من هنا أهميّة الإعلام وبالذات الإعلام المسيحيّ، وبالتحديد في الشرق ومن الشرق!
لا بدّ أن يتميّز الإعلام المسيحيّ عن أيّ إعلامٍ آخر. بالأسف غالبًا ما يكون الإعلام للإثارة، وللسبق الإعلامي، وللتشهير، ولإبراز الشكوك والعثرات والعورات والسلبيّات ولإشاعة التشاؤم...
على الإعلام ولا سيّما المسيحيّ أن يكون كما يقول بولس الرسول، أن يكون لأجل البنيان! لأجل البناء، وشحذ الهمم، وإشاعة التفاؤل، وإشعار الناس بمسؤوليّتهم أمام الحدث. فلا يكونون فقط متفرّجين، مستمعين، سلبيّين!... بل يشعرون بمسؤوليّتهم أمام ما يشاهدون أو يسمعون.
وبكلمة أخرى يجب أن يكون الإعلام المسيحيّ إنجيلاً أعني حسب معنى كلمة الإنجيل اليونانيّة: الإنجيل يعني خبرًا سارًّا! أن يكون الإعلام إنجيلاً، أعني أن يكون خبرًا سارًّا وحاملاً أخبارًا سارّة.
على الإعلام المسيحي أن يكون إنجيليًّا مسيحيًّا، أعني أن يساعد الناس أن يكونوا على مثال يسوع الذي أتى لتكون للناس الحياة، وتكون أفضل! أعني أن يكون الإعلام بشرى سارّة، تساعد الناس على حبّ الحياة، والتضامن في الحياة...
لا بدّ أن يكون للإعلام المسيحيّ طابع مسيحيّ، ليس للتفاخر، وليس للتعالي وليس للتسامي، بل لأجل حمل قيم الإنجيل وقيم الإيمان المسيحيّ إلى العالم! هذا ما أشار إليه قداسة البابا فرنسيس في كلمته للشباب في البرازيل 2014، قائلاً: يجب أن يكون لكم هويّة مسيحيّة! ويكون لديكم انفتاح على هويّة الأخرين!
وهكذا فلتكن تيلي لوميار ونور الشرق، وباقي وسائل الإعلام المسيحيّ في المشررق العربيّ ذي الأغلبيّة المسلمة، ليكن لهذه الوسائل الإعلاميّة، هويّة مسيحيّة مميّزة، واضحة، جذّابة، ولا سيّما منفتحة، بحيث يكون الإعلام المسيحيّ قادرًا على إيصال الهويّة المسيحيّة إلى المشاهدين والمستمعين، ولكي تتلاقى الهويّة المسيحيّة مع هويّة الآخر أيّ آخر، لا سيّما الهويّة الإسلاميّة.
وهكذا تحقّق وسائل الإعلام تقابل وتعاون وتفاعل الهويّات، والحضارات، والثقافات، والأديان... وتجنّب العالم صدام الحضارات والأديان وأتباعها وأصحابها.
وهكذا تحقّق وسائل الإعلام كلمة البابا القديس يوحنّا بولس الثاني الذي قال: "إنّ جوهر الإنسان أن يكون مع ولأجل". والإعلام المسيحيّ مدعوّ أن يرافق حياة الناس، وآمالهم وآلامهم، ويقدّم لهم بشرى سارّة، بشرى الخير والحياة والعطاء والخدمة والتضحية والتضامن... لا سيّما في ظروف أوطاننا المأساويّة الدامية. ونحن نسير على درب صليب الحروب والعنف والإرهاب والتهجير والقتل ومختلف أنواع البربريّة والهمجيّة التي فاقت كلّ حدّ!
آمل أن يتوفّق المؤتمر في تفعيل دور الإعلام المسيحيّ في مشرقنا المبارك، العالم العربيّ والإسلاميّ بنوع خاصّ ينتظر رسالة الإعلام المسيحيّ!.
على الإعلام المسيحيّ أن يكون المنبر الأعلى في تاريخ عطاء المسيحيّين في الشرق المسيحيّ على مدى ألفي سنة، ومن خلال الترجمات إلى العربيّة، والمطابع، والكتب، والمؤسّسات الثقافيّة والمدارس والجامعات...
الآن دور الإعلام المسيحيّ! إنّه الرسالة العصريّة التي تساعد المسيحيّين في متابعة رسالتهم المسيحيّة على مدى ألفي عام في الشرق. وعلى مدى 1435 سنة مع المسلمين والإسلام.
المؤتمر يمثّل تحدّيًا كبيرًا أمام المسيحيّين والإعلاميّين ووسائل الإعلام المسيحيّ، والمطلوب من جميع الكنائس محليًّا وعالميًّا أن تدعم الإعلام المسيحيّ في الوقت الرّاهن، ونأمل أن تكون توصيات المؤتمر سبيلاً جديدًا لتفعيل الإعلام المسيحيّ على كلّ المستويات.
ختامًا! أمنيتي وصلاتي أن يكون الإعلام المسيحيّ - في مشرقنا المبارك وفي ظلمات هذا العالم المليء بالحروب - كما أراد يسوع من جميع المسيحيّين، أن يكون نورًا وملحًا وخميرة خيرٍ وحضارة وسلام ومحبّة.