الإيمانُ بالقيامة
"تبدأ القيامة بالألــم وتعبر بالموت. فالألـــم هو وليد الحبّ كما أنّ الموت هو وليد التّضحية. هذا ما تعلّمناه من الشّهداء المظفّرين ومعلّمهم يسوع، أوّل شهيدٍ للحبّ.
لم يــكن الشهيد يومًا معلّمًا مشترعًا، بل تلميذًا يشهد من خلال حياته بأنّه حافظٌ وصايا من يشهد لــه، متسلّحًا بالتّواضع والإيمان المستقيم. هو يشهد لأنـــّه يحبّ، ويــبذل نفسه في سبيل الشهادة، مقدّمًا حياتـه ذبيحةً مرضيّةً لمن أحبّ، ومؤمنًا بأنّ القيامة بمجدٍ هي إكليل الظفر المعدّ له. هذا ما رسمه أمير الشهداء جاورجيوس في حياته.
الإيمان بالقيامة يصعب على من لا يتّضع. لأنّ التّواضع هو السلاح الوحيد الذي به يقهر زارع الشكوك والعثرات، أعني به الشيطان. لذلك عندما شكّك توما بقيامة يسوع، ولم يصدّق البشارة التي أعلنها له التلاميذ، دفع الربّ أن يتنازل ويـــسمح لتوما بأن يلامس آثار آلام جسده. فكان تواضع المسيح ثمنًا اشترى به إيمان توما الذي صرخ أخيرًا: «ربــّي وإلهي ».
فمنذ نشأة الكنيسة عاش آباؤها وأبناؤها هذا الإيمان بغيرةٍ وتفانٍ. فكانوا يـتوقون إلى حياة الملكوت ناظرين كلّ حينٍ إلى مخلّصهم يسوع المسيح الذي بذل دمه على الصليب حبًّا بهم، مقرّبـًا ذاته لله الآب ذبيحةً مرضيّةً عن خطاياهم.
لقد كانوا مستعدّين دومًا لأن يـبذلوا حياتــهم بدورهم في سبيل حفظ هذا الإيمان غير منثلم، لأنّ ذئابــًا كثيرةً قد تجرّأت على المساس بعقائدهم ونسفها من أسسها، ومنهم آريوس الهرطوقيّ الذي «صار يهوذا جديدًا بالعزم والسجيّة ». فحاربوه بضراوةٍ قاطعين دابر تجديفه بسيف الروح، فظهروا غالبين منتصرين.
إلاّ أنــّهم نــقلوا إيمانهم حيًّا إلى القلوب المشكّكة، فأضحوا أعمدةً للكنيسة لا تـتــزعزع، وأبراجًا منيعةً لا تنـهدم، وكواكب متلألــئةً تـــنير المسكونة بالأنوار الإلهيّة، وأفواهًا ذهبيّةً يفوح منها شذا عطر المسيح فتعطّر أذهان المؤمنين، معترفين حقيقةً بأنّ يسوع المسيح الإله الإنسان قد مات وقام، حقًّا قام..."