الأنبا مارتيروس في الذكرى 66 لنياحة الأرشيدياكون: البابا شنودة تتلمذ على يد حبيب جرجس ونقل عنه مقولاته
ويعْتَبَر القديس حبيب جرجس المؤسس الحقيقى للإكليريكية في عصرها الحاضر، وأنشأ الإكليريكية فى 29 نوفمبر 1893 والتحق بها، وصار الواعظ الأول ومدرس اللاهوت بالكلية في الربع الأول من القرن العشرين. وتسلم نظارتها سنة 1918 إلى نياحته سنة 1951. وللتقرب أكثر من شخصية المعلم والقديس حبيب جرجس، جرى حوار مع الأنبا مارتيروس أسقف شرق السكة، ورئيس لجنة المصنفات الفنية بالكنيسة الأرثوذكسية.
في البداية ماذا عن حبيب جرجس، الإنسان والجانب الروحي؟
من الناحية الإنسانية، كان محبّاً للفقراء، ففي أيام الأعياد كان يحضر كمية كبيرة من اللحوم بنفسه فى منزله، بالاشتراك مع الأسرة ويقومون بتقسيمها وتغليفها وتوزيعها على الفقراء مسيحيين ومسلمين، وكان يعيش في شارع القبيصي في منطقة الظاهر، وكان حريصاً على توزيع الأطعمة على الفقراء، وخاصة في أسبوع الآلام، وكان يوزعها على جميع أهل الحي من الفقراء.
وأنشأ مدرسة الألحان، وكان يعاني كثيراً من المخصصات المالية، ويهتم بمشاكل الرهبان والراهبات والعلمانيين وحل المشاكل الزوجية بصفته كان مسؤولًا عن الأحوال الشخصية، داخل المجلس الملي، وكان يمتلك خبرة كافية في حل كثير من المشاكل.
وإذا أراد معاقبة أحد فيكون بالتعليم، وهو صاحب مقولة امحُ الذنب بالتعليم، ونقلها عنه تلميذه نظير جيد، الذي أصبح المتنيح البابا شنودة الثالث، الذي كان ينقل عنه عبارات نافعة، فكان لا ينتقم من أحد كان غفوراً ورحيماً. وعن الجانب الروحي، لحبيب جرجس، فكان يحب حضور القداسات بالقلب والروح، حتى إنه كان يصطحب أبناء الخدام وكان يحاول شرح القداس لهم. وكان يملك من المهارات الكثيرة، في معاملة الطفل ومعاملة المخدومين في مجال مدارس الأحد في التربية الكنسية، حتى إنه ألف عدة كتب في الوسائل التعليمية للإصلاح الكنسي، وكيفية إصلاح الأمور التعليمية في الكنيسة، أيضًا ألف كتبًا عن مدارس الأحد، وكان يشجع كل أنشطتها مثل النوادي الكنسية والعمل الأهلى والمدني، واهتم أيضًا بموضوعات التنمية البشرية داخل دروس مدارس الأحد وبين الخدام والخادمات، بالإضافة لإصدار مجلة يطرح فيها كل أفكاره الروحية والإصلاحية للكنيسة، والتي سميت بمجلة الكرمة، واستمرت 18 عامًا، وكانت تصدر شهريًا، وكان مشرفًا على مجلة مدارس الأحد وحتى قبل وفاته بسنة.
هل تأخر اعتراف المجمع المقدس بقدسية الأرشيدياكون؟ وما المعايير التى يستند لها المجمع للاعتراف بالقدسية من عدمه؟
بالفعل تأخّر،لأنّه كان قد مرّ على نياحة القديس 62 عامًا، وللاعتراف بقداسة الشخص لا بد من مرور 40 عاما على وفاته، ثم التحقق بعد ذلك في خلال 10 أعوام، فيمرّ 50 عامًا للتحقق من قدسية الشخص. ولكن الذي أخر الاعتراف بقدسية الأرشيدياكون حبيب جرجس، هو البابا شنودة الثالث الذي كان أحد تلاميذه، إذا تم تقديسه خلال فترة رئاسته للكنيسة، كان سيشيع أنه تمّ تقديسه بسبب أنّه تلميذ البطريرك، وكان أمراً غير موضوعي، وتجنب البابا شنودة لكي لا يفهم الأمر خطأ.
وهل يحقّ للأساقفة والكهنة والشعب طلب الاعتراف بقداسة شخص؟
لا بد من مرور 40 عامًا على الشخص، وبعد ذلك يبحث الاعتراف داخل المجمع المقدس بعد عمل دراسة وبحث بين الناس، فإذا كان ذكره هذا الشخص حتى لو بعد 40 عاماً وكأنه يعيش بين الناس، فهذا هو القديس.
وهل يجوز إطلاق اسم البابوات الذين لا يُعترف بهم قديسين على الكنائس؟
لا يجوز من الناحية القانونية، معاملته كقديس فقط بعد 40 عاماً، بحسب قوانين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
ماذا عن الجانب الأسري للقديس حبيب جرجس؟
كانت أسرة مثالية، والأرشيدياكون فقد الأب في سن 6 سنوات، وبدأت الأم في تحمل مسئولية الأسرة كاملة، فمن ناحية الاهتمام بالتعليم، أدخلت أبناءها المدرسة البطريركية في كلوت بك بالكاتدرائية المرقسية القديمة، وأكملت تعليمهم الابتدائي، وحرصت على أن تُدخل حبيب جرجس للمدرسة الإكليريكية، وكان التلميذ حبيب جرجس ضمن الـ12 طالبًا الأوائل على المدرسة، بالإضافة إلى الهدوء الكامل بين أفراد الأسرة والمعاملات الروحانية التي كانت داخل الأسرة، وكما يذكر أن كل الأبناء متبتلون (حبيب، كامل، غالي، ومرثا) لم يتزوجوا، وأصبح منزلهم يشبه الدير، وكانوا يعيشون حياة روحية عظيمة وأحب كل الناس أسرة جرجس أفندي.
ما أهم الكتب التي ألّفها القديس حبيب جرجس؟
ألّف كتب الدين المسيحي للمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية في فترة الثلاثينيات والأربعينيات، وكتاب الوسائل التعليمية للإصلاح الكنسي، وكتاب سرّ التقوى عام 1900، وكتاب أسرار الكنيسة السبعة، وكتاب الشهيدين برلام ويواصف وأصدر مجلة الكرمة الشهرية لمدة 18 عاما، وكتاب الكنز الأنفس في التاريخ الأقدس أربعة أجزاء عام 1920، وألّف حوالي 32 كتابا سنة 1945 بمناسبة مرور 50 عاماً على الكلية الإكليريكية على إنشائها وكان الإكليريكية في 50 عاماً شمل جميع الوثائق الإكليريكية.
هل توجد كُتب لم تُنشر لحبيب جرجس؟
في الحقيقة لا أعلم، لأنّه مرض لمدة عام قبل النياحة، ولا أحد يعلم هل توجد كتب تحت الطبع أم لا.
ماذا عن الكنائس التي بناها القديس حبيب جرجس؟
نتيجة الخط الهمايوني في السنين الماضية، فكّر حبيب جرجس أن ينشئ جمعيات أهلية، ومن نشاطات هذه الجمعيات التعليم الديني، وكان ينشئ جمعية بداخلها كنيسة صغيرة، فأصبحت كنيسة كبيرة بعد ذلك، وعلى سبيل المثال كنائس شبرا مصر وكنيسة مارجرجس بمنشية التحرير وكنيسة شبين القناطر وكنيسة مارجرجس بالقناطر الخيرية وكنيسة مارمرقس كليوباترا بمصر الجديدة وكنيسة مارجرجس بألماظة وكنيسة مارجرجس بعين شمس وكنيسة الأقواز بالصف وكنيسة السيدة العذراء بمهمشة.
هل واجه القديس حبيب جرجس صعوبات في إنشاء الإكليريكية؟
جميع المصاعب التي واجهته كانت مصاعب مادية، في تجديد مبانٍ وأجور العاملين والمشرفين. وكان المجلس الملى على خلاف معه من خلال هذه المصاعب المادية، لأنّ المجلس الملى هو المسؤول عن المادية، رغم أنّ الأرشيدياكون كان حريصًا على جمع التبرعات، وبعد ذلك يرسلها للمجلس الملي، وكان المفترض أن البطريركية تتولى الإنفاق على مدارس الأحد والإكليريكية، والصعوبات مع الدولة بسبب توصيل الكهرباء إلى منطقة مهمشة والشرابية، وبعد صعوبات كثيرة نجح في توصيلها لحي الشرابية بأكمله.
كيف امتدت خدمة مدارس الأحد إلى إثيوبيا والسودان؟
-عن طريق زيارته إلى إثيوبيا، وفكر مدارس الأحد انتشر مع تلاميذه، وعلى رأسهم أبونا يوحنا سلامة، عندما زار السودان أسس مدارس الأحد والإكليريكية، أيضاً زار البابا كيرلس الخامس إثيوبيا والسودان 1905، 1912 وكان الأرشيدياكون بصحبته، وقابل آباء الكهنة في الحبشة والسودان، وكان يصحب معه صور وهدايا مدارس الأحد ومناهجها، وكان يجتمع بالمسئولين هناك لنشر الفكر، وذهب للحبشة في حضور البابا يوآنس الـ19، وزار الملكة زيودورت والدة هيلاسلاسى، وفرحت جداً بزيارته وتعليم أطفال الحبشة في مدارس الأحد وإنشاء الإكليريكية، ودعوة شباب من الحبشة للدراسة في الإكليريكية في مصر، واستضافهم في كنيسة مهمشة، بشرق السكة، وأقاموا بها إقامة كاملة من الأحباش والسودان وجنوب السودان.
ما صلة البابا شنودة الثالت بالأرشيدياكون؟
في الحقيقة كان الأستاذ نظير جيد، قد انضمّ لخدمة مدارس الأحد مع الأرشيدياكون حبيب جرجس في بداية الأربعينيات، وقال لي البابا شنودة إنّه كان يخدم مع حبيب جرجس في مهمشة سنة 1938، وكان عمره حوالى 18 عاماً، كان نظير جيد نابغاً، فعينه حبيب جرجس معلماً في الإكليريكية، حتى تخرج نظير جيد من القسم المسائى سنة 1947 من ضمن 5 من النبلاء (سليمان نسيم ومحفوظ أندراوس ووهيب عطاالله حاليا الأنبا غريغوريوس وسامي زعزوع الذى تنيح في المنصة).
كان نظير جيد قريباً من الأرشيدياكون، ودائماً يذهب إلى منزل الأرشيدياكون في الظاهر، ومعه مفكرة ليسجل العبارات المهمة التي يقولها القديس حبيب جرجس، لذلك كان معظم تعليم البابا شنودة الثالث مأخوذاً عن القديس حبيب جرجس على الأخص في مناهضته في الفكر غير الأرثوذكسي، وتعليم مدارس الأحد والاهتمام بالإكليريكية، حتى أنّ البابا شنودة كل يوم الثلاثاء أثناء حبريته كان يتقابل مع الإكليريكيين ويُلقى محاضرة عليهم. وهنا نقول إنّ البابا شنودة الثالث شرب من تعاليم الأرشيدياكون حبيب جرجس، وكان البابا شنودة عضواً أساسيّاً في مدارس الأحد مع الأرشيدياكون حبيب جرجس. ومن أهم خدام مدارس أحد، وهو كان عظيماً في تعليمه لاهوتياً وعقائدياً، كما أنّ نظير جيد كان شاعراً وحبيب جرجس، كان أيضاً شاعراً، حتى أنّ كلًا منهما كان يعرض على الآخر الشّعر الذى ألّفه. وكانت علاقة تلمذة حقيقية وعلاقة تقدير واحترام وعلاقة ثقافة وتعليم وإصلاح للكنيسة.
هل واجهت صعوبات في نقل جسد القديس حبيب جرجس إلى كنيسة مهمشة شرق السكة؟
لا، لا توجد صعوبات، لأنّنا حرصنا على الحصول على تصريح من الحكومة لأخذ الجسد إلى كنيسة السيدة العذراء بمهمشة، بالإضافة إلى أنّ نقل الجسد كان في وقت الانفلات الأمني بعد 3 يوليو وصولًا إلى فض اعتصام رابعة 14 أغسطس 2013، فاستشعرت بالخطر واتّصلت بالبابا تواضروس لكي ننقل الجسد، لأنّ الأنباء تمّ تداولها بأنّه سيتمّ فضّ اعتصام رابعة، وبالفعل أمر البابا بنقل الجسد، وأوفد معي الأنبا مكاريوس الأسقف العام للمنيا ولفيف من الكهنة واستحضرنا الجسد فى 4/ 8 /2013 من مدافن الجبل الأحمر الخاص بأسرته ونقله داخل الكنيسة.
هل طلب البابا تواضروس الثاني نقله إلى الكاتدرائية؟
في الحقيقة أنا ناشدته وناشدت المجمع المقدس ضرورة أن يكون جسد الأرشيدياكون في المكان الذى أسسه، وكان يعتبر مركز التنوير في أواخر القرن الـ19 وأوائل القرن الـ20 في الكنيسة القبطية، كلها في منطقة مهمشة بشرق السكة، فهي التى أنارت على الكرازة المرقسية في بداية القرن الـ20 من خلال الأرشيدياكون حبيب جرجس من الإكليريكية ومدارس الأحد.
من أين جاءت فكرة التطيب؟ وهل هي مكلفة؟
فكرة التطيب جاءت منذ وقت دفن السيد المسيح له كل المجد، فيوسف الرامي ونيقوديموس أحضرا 100 من الأطياب حوالى 100 كيلو ليضعوها على جسد السيد المسيح والمريمات في فجر الأحد، اشتروا أطيابا تكريماً لجسد السيد المسيح، وبعد ذلك أخذ التلاميذ هذه الأطياب، وظلّت المادة هي نفسها المصنوع منها زيت الميرون بعد إضافة زيوت أخرى لآباء الكنيسة، لتطييب أجساد القديسين وعلى الأخص الشهداء، وحتى هذه اللحظة، وذلك موجود في تقليد الكنيسة ويذكّرنا بقوة عظام أليشع الذى أقام ميتاً وأيضاً أجساد القديسين التي قال عنها أيوب البار إنّ عظام القديسين بتزهّر (تخرج زهور)، وهذا من كرامة القديسين في العهد القديم. وأيضاً استمرّت في العهد الجديد، بالإضافة إلى عمل احتفالات وسهرات ليلية لهؤلاء القديسين، وهذا كان منتشراً أكثر مع بداية الشهداء في القرون من الأول للرابع الميلادي. وشراء الأطياب ليس مُكلفاً كثيراً، لكنّنا نشتري الأطياب والعطور والزيوت ووضعها على أجساد القديسين.
ماذا تعني زفة القديسين؟
يتمّ حمل الجسد المقدس، الذي خدم الكنيسة وعاش في قداسة السيرة، ويُحمل على الأكتاف لتدور به حول المذبح رمزاً إلى أنّه أصبح في قدس الأقداس (الأبدية)، ثمّ ننزل به وسط الشعب وندور به ثلاث مرات في الكنيسة، لكي نقول للشعب انظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثّلوا بإيمانهم.
ما رأى نيافتك لمن يقولون لا مجال للشفاعة بالقديسين؟
الشفاعة موجودة في العهد القديم والعهد الجديد. في العهد القديم عدو الخير كان يعاير أيوب البار، لأنّه أصيب بالمرض في صحّته وفي أبنائه، وممتلكاته وصبر عليه أيوب. فكان الشيطان يقول لأيوب أنظر فهل لك من مجيد وإلى أى من القديسين تتخذ (فى العهد القديم مثال نوح)، بالإضافة أنّ عظام أليشع إقامة ميت، كانت هناك مجموعة تدفن ميت فرأت أعداء يهاجمونها فرمت الجثة، فقام الميت لأنّه لمس عظام أليشع. أما في العهد الجديد المسيح سمع لشفاعة السيدة العذراء مريم في معجزة عرس قانا الجليل، والعذراء مريم قالت للخدم: كل ما يقوله لكم افعلوا كما يقول الكتاب المقدس لنا سحابة من الشهود هذه مقدارها، وآية أخرى أنظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثّلوا بإيمانهم، والشفاعة بعد عصر التلاميذ بالمعجزات الذى يصنعها القديسون حتى المعجزات تخرج من أيقونتهم.
كتاب نور أشرق في الظلمة، لماذا تمت تسميته بهذا الاسم؟
عندما فكرت في الاعتراف بقدسية الأرشيدياكون، طلبت من المتنيح البابا شنودة الثالث، لكنه عفا عن هذا الأمر لأنه كان من تلاميذه، فطلبت بعد نياحة البابا شنودة، من الأنبا باخوميوس قائم مقام البطريرك، وأخبرني أنّه أخذ قراراً من المجمع المقدس من خلال البابا الجديد، وبالفعل عندما جاء البابا تواضروس قدمت له مذكرة وقدمتها أيضاً في لجنة الإيمان والتعليم والتشريع، وقدمتها إلى سكرتير المجمع المقدس نيافة الأنبا رافائيل.
واتّفق المجمع المقدس على الاعتراف بقداسته، وبسرعة صممت على أن أصدر كتاباً للشعب المسيحي، بعنوان نور أشرق في الظلمة للقديس العظيم الأرشيدياكون حبيب جرجس، وتمّ توزيعه في المكتبات المسيحية، وعلى موقع كنوز، وأصدرت أيضاً كتاب اسمه الأرشيدياكون حبيب جرجس، ولكنّه أعمّ وأشمل من الكتاب الأول، واستعنت فيه بطاسونى نادية نجلة نجيب فليفل، وهو خادم الأرشيدياكون، وهي أيضاً متبتلة. وأخذت منها المعلومات لأنّها عاشت مع الأرشيدياكون حتّى الثانوية العامة، بعد احتضانه أسرة الخادم الخاص به نجيب فليفل.