مصر
14 تشرين الأول 2017, 14:00

الأنبا رافائيل: واضح أنّ الأمور تعالج بطريقة خاطئة جدًا ومخيف هو الوقوع في يدي الله

نعى الأنبا رافائيل، سكرتير عام المجمع المقدس وأسقف كنائس وسط القاهرة، القمص سمعان شحاتة، الذي تمّ استهدافه من قبل أحد المتطرفين بمنطقة مدينة السلام، قائلاً: باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين. بكل الإيمان والرجاء نودع إلى السماء نفسًا غالية على الكنيسة، نفس أبونا القمص سمعان.الكنيسة كلّها، وعلى رأس الجميع قداسة البابا تواضروس الثاني تودعه إلى السماء؛ وعندي عدّة رسائل أريد أن أرسلها من خلالكم:


أول رسالة بالطبع نرسلها إلى ربنا يسوع المسيح ونقول له:"مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ...". أوّل رسالة نوجّهها إلى ربّنا يسوع ونقول له أنّنا جميعًا مستعدّون أن نموت من أجل الإيمان المسيحي؛ فالاضطهاد الذي نتعرّض له لن يزعزع محبتنا للمسيح إطلاقًا، بل نتمسّك أكثر بإيماننا، ونقول أيضًا في هذه الرسالة أنّ هذا الاضطهاد والتطرف والإرهاب سيزيدنا محبة للمسيح وتمسكًا بالإيمان.

أمّا الرسالة الثانية نرسلها باسمكم إلى أبونا سمعان، ونقول له قد تركتنا متألّمين، ولكن طوبى لك لأنّك نلت أعظم الأكاليل، وكما ذكر في سفر الرؤيا "وَلَمَّا فَتَحَ الْخَتْمَ الْخَامِسَ، رَأَيْتُ تَحْتَ الْمَذْبَحِ نُفُوسَ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ أَجْلِ كَلِمَةِ اللهِ، وَمِنْ أَجْلِ الشَّهَادَةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُمْ،". فنقول له أنت كنت تقف أمام المذبح تصلّي وأنت الآن تحت المذبح مذبوح من أجل اسم المسيح الذي ذُبِح من أجل حياة العالم.

أمّا الرّسالة لكل الأقباط: تماسكوا في مسيرة محفوفة بالمخاطر للملكوت، وقد يلحق بالشهداء أحدنا غدًا. هذه الرسالة الثّالثة أرسلها إلى أحبّاء أبونا سمعان، نيافة الأنبا اسطفانوس وأسرة أبونا وشعبه وكل الشعب القبطي في الكنيسة القبطية في كل العالم. أقول لكم أرجوكم لا تعطوا عدو الخير فرصة لزعزعة إيماننا أو محبتنا، بالعكس بل نتماسك ونسير سويًّا مسيرة محفوفة بالمخاطر حتى ملكوت السماوات، وإكرامنا لأبونا سمعان وكل نفوس الشهداء الذين سبقونا والذين قد يلحق بهم أحدنا غدًا لأننا مستعدّون، فالذي يرتدي اللبس الأسود (الزي الكهنوتي) يضع نفسه تحت النير منذ أن توضع عليه اليد، كأنّما يقول أنا من الآن ذبيحة للمسيح، فاليوم نحن مجتمعون من أجل أبونا سمعان ومن الوارد أن تجتمعوا غدًا من أجلي، فنحن لا نضمن أي شيء سوى أنّنا نريد الذهاب إلى السماء.

أمّا الرسالة الرّابعة للإرهابيين نقول لهم أنتم لا تفهمون أنّ دماء الشهداء هي بذار الكنيسة. فكلّما تقتلون شهيدًا تنتعش الكنيسة وتنمو، لأنّ شجرة الكنيسة تروى بدماء الشهداء، فلو كنتم تعلمون ذلك لتوقفتم عمّا تفعلون، قال معلمنا بولس عنا: "نَحْنُ مَوْضُوْعُوْنَ لِذَلِكَ..."، وقال المسيح: "هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ مِثْلَ حُمْلاَنٍ بَيْنَ ذِئَابٍ." فماذا نتوقع من ذئب تجاه حمل إلا أن ينهشه، إن كنتم أتباع المسيح فلتكونوا مثل الحملان، وإن كنتم أتباع الشيطان فلتكونوا مثل الذئاب. ونحن اخترنا أن نكون حملانًا في قطيع المسيح ولن نتخلّى عن إيماننا بالمسيح أو عن أخلاق المسيح.

أمّا الرسالة الأخيرة إلى المسؤولين في البلاد: منذ عام 1972 تتكرّر حوادث الإرهاب باستمرار ومن الواضح أنّ الأمور تُعالَج بطريقة خاطئة جدًّا، الملاحقة الأمنية ليست علاجًا، بل الدولة مطالبة أن تبذل مجهودًا ضخمًا في تغيير ثقافة شعب تمّ تسميم أذهانه بالعنف والإرهاب والتّطرّف الذي لا يحمل أي معنى. نتعجّب من عدم توقيع عقوبات على الجناة، وكأنّها تصريح لآخرين أن ينفّذوا جرائم لاحقة وحتى المتابعة الأمنية نشعر فيها بخلل كبير. فالكثير من أحداث الإرهاب لم تتمّ ملاحقة الجناة فيها، وعند القبض على بعض الجناة نتعجب عندما يتمّ الإفراج عن بعضهم بأي صورة. وإن كان الجاني لا يلقى عقوبة فهذا بمثابة تصريح لمن ينوي ارتكاب جنايات لاحقة بأن ينفذها. مخيف هو الوقوع في يدي الله ونحن بقدر استعدادنا أن نموت من أجل إيماننا، الحياة غالية علينا، ودماؤنا ليست رخيصة، وإن لم يُنتَقَم لهذه الدماء على الأرض، فويل لمن يتسبّب في عدم الانتقام، القضاء السمائي مريع ويقول الكتاب المقدس: "مُخِيفٌ هُوَ الْوُقُوعُ فِي يَدَيِ اللهِ". ومن يظن أنّه سيفلت من العقاب هو واهم، لأنّ الله قاضٍ عادل ينتقم للدماء كما يقول الكتاب المقدس، فلا جريمة تثير حفيظة الله مثل الدماء، وقد ذكر السيد المسيح دم هابيل الذي سفك في بدء الخليقة، لأنّ الدماء قضية لا تسقط بالتقادم أمام الله، فلا تخافوا لأنّ من لن يُؤخذ حقّه على الأرض ستأخذ السماء حقّه. ونحن بكل إيمان نرفع قضيّتنا رأسًا إلى السيد المسيح. لإلهنا المجد الدائم إلى الأبد. آمين.