دينيّة
04 أيلول 2021, 07:00

الأمّ القدّيسة رسولة الرّحمة

ريتا كرم
في الرّابع من أيلول/ سبتمبر 2016، أعلنت الكنيسة الأمّ تريزا قدّيسة. وقبيل ذاك الحدث الكنسيّ، ضجّت وسائل الإعلام ومواقع التّواصل الاجتماعيّ بشهادات حول رسولة الرّحمة، ولعلّ أبرزها كانت لإحدى رسولات الورديّة الّتي عملت معها فصافحتها والتقت عيناهما واجتمع قلباهما على عمل المحبّة والرّحمة.

 

هي "ليتل جون" محامية ناجحة وناشطة في مجال حقوق الإنسان ومكافحة الإجهاض والقتل على أساس الجنس البشريّ في الصّين، اخترقت أبواب الكونغرس الأميركيّ والأمم المتّحدة لترفع الصّوت عاليًا وتتكلّم باسم كلّ مظلوم؛ هي مؤسّسة جمعيّة "حقوق المرأة من دون حدود"، رغبت أن تكون راهبة غير أنّ أهلها وكاهن الرّعيّة أقنعوها بأنّ طريقة عيش الرّاهبات لن تناسبها فاختارت المحاماة وتزوّجت علّها تجد رسالتها فيهما. ولكن الأخيرة لم تكتمل لولا لقاؤها بالأمّ تريزا والعمل ستّة أسابيع جنبًا إلى جنب مع هذه المرأة الصّغيرة الحجم والمنحنية الظّهر ولكن إحدى أعظم شخصيّات عصرنا.

الحكاية بدأت حين قصدت ليتل جون وزوجها إرساليّة راهبات المحبّة في الهند، وأثناء تواجدهما في البهو أطلّت أمّ الفقراء وتقدّمت منهما فأمسكت يديهما ساكبة دفءًا ونعومة وانساب نغم صوتها المرحّب في قلبيهما كنسمة عليلة في إحدى ليالي الصّيف الملتهبة. منذ تلك اللّحظة، انكشف نور قداسة الأمّ تريزا جليًّا أمام عيني ليتل جون والّتي سردت في حديث سابق إلى وكالة الأخبار الكاثوليكيّة CNA مزايا هذه السّيّدة الألبانيّة الأصل.

ولعلّ أبرز ما أشارت إليه هو تواضع الأمّ تريزا فهي لا تعتبر نفسها أفضل من أحد، ولا تسمّي نفسها قدّيسة، بل تقول: "أنا قدّيسة في مدينتي وفي حياتي.. فكلّنا قدّيسون في طريقة عيشنا". تنظر إلى الكلّ باهتمام مطلق وكأنّ يسوع المسيح يقف أمامها، هي كريمة النّفس، سموحة ومحبّة. تجد الكلام المناسب في أوقات الضّيق فترفع من عزيمة كلّ محبط وتساعده على تخطّي أزمته النّفسيّة تمامًا كما فعلت مع ليتل جون، فمن بين آلاف المتطوّعين استمعت إلى مشكلتها بعد تعرّضها لاعتداء على يد شابّ في نفق المترو، هي جاهزة في كلّ الأوقات لتصغي وتساعد وتصلّي مع من هو بحاجة، تمدّ يدها للفقير، تنتشل المرمييّن على الطّرقات بخاصّة الأطفال بينهم، تحيطهم بالعناية والعطف وتسكّن آلامهم بنفحات إيمان وكلمات محبّة.

إن نظرت إلى عينيها تعاين الفرح والرّجاء والإيمان والرّأفة والحنان؛ هي رسولة الرّحمة! وكم هو بحاجة عالمنا اليوم إلى أمثلة حيّة تجوب بيننا وتنشر تلك الفضائل وتنفح روحًا مقدّسة في كلّ نفس تلتقيها. فلنصلّ اليوم مع الأم تريزا ليزهر عصرنا مرسلين يعطون من دون مقابل ويشعرون بمن حولهم بخاصّة في أحزمة الفقر.