مصر
30 كانون الثاني 2020, 11:20

الأمين العامّ المشارك لمجلس كنائس الشّرق الأوسط: لن نكون نورًا للعالم بدون محبّة

تيلي لوميار/ نورسات
عبّر الأمين العامّ المشارك لمجلس كنائس الشّرق الأوسط القسّ رفعت فكري عن سعادته باجتماع الأمس الّذي أقيم في الكاتدرائيّة المرقسيّة- العبّاسية، في إطار أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين، في كلمة نشرها موقع "عنكاوا"، وجاء فيها:

"أودّ في البداية بالأصالة عن نفسي وبالنّيابة عن مجلس كنائس الشّرق الأوسط والأمينة العامّة الدّكتورة ثريّا بشعلاني أن أتقدّم بخالص الشّكر لقداسة البابا تواضروس لمحبّته الفيّاضة ولسعة صدره ورجاحة عقله ولتدعيمه الدّائم لمجلس كنائس الشّرق الأوسط، فقداسة البابا هو قامة وقيمة، وهو رمز مصريّ وطنيّ أصيل نعتزّ به جميعًا ككنائس وأفراد لمواقفه المسكونيّة والوطنيّة الّتي تؤكّد عظمة هذا الرّجل ورقيّ أخلاقه وسموّ مبادئه.

بالكاتدرائيّة المرقسيّة بالعباسيّة، يا قداسة البابا نحن نحبّك من كلّ قلوبنا ونصلّي لأجلك ودائمًا نراك مثل النّخلة العالية الشّامخة الرّاسخة الّتي وإن قذفها الصّغار بالأحجار فهي لا تعطي إلّا أفضل الثّمار والطّعنات الخلفيّة من الحاقدين ما هي إلّا دفعات نحو الأمام، فسر في طريق التّنوير والإصلاح الّذي تنتهجه، وسيسطّر لقداستك التّاريخ بأحرف من نور ما تقدّمه للكنيسة من خدمة وتفانٍ وعطاء في خدمة الإنسان روحيًّا وعقليًّا وتعليميًّا وصحيًّا، أمّا الأصوليّون الأحاديّون، والحاقدون، فسيطويهم التّاريخ في طيّ النّسيان.

رسالة اليوم هي الاستنارة، والاستنارة نجدها في الكتاب المقدّس، وفي الفكر الفلسفيّ، فالكتاب المقدّس يقول عن الله إنّه نور وليس فيه ظلمة البتّة، وإنّ السّيّد المسيح هو النّور الحقيقيّ الّذي جاء إلى العالم، وإنّ أصحاب الأعمال الشّرّيرة أحبّوا الظّلمة أكثر من النّور، وفي الفكر الفلسفيّ تساءل إيمانويل كانت في نهايات القرن السّابع عشر (1724- 1804) ما التّنوير؟ وأجاب: التّنوير هو أن تكون جريئًا في إعمال عقلك، فلا سلطان يعلو على سلطان العقل، والكتاب المقدّس يدعونا إلى إعمال العقل ويحدّثنا الرّسول بولس عن أهمّيّة العبادة العقليّة، ويحذّرنا داود النّبيّ في المزامير 32: 9 ألّا نكون بلا فهم، ولكن عندما يُعمل الإنسان عقله، ويفكّر في الإله العظيم المطلق غير المحدود، يكتشف أنّ عقله نسبيّ وبالتّالي لا يمكن أن يدرك هذا الإله المطلق غير المحدود، ومن ثمّ يشعر الإنسان بضآلة عقله ومحدوديّته ونسبيّته أمام الأمور الإلهيّة العظمى.

عندما يدرك الإنسان نسبيّته سيتأكّد أنّ هذه الحياة ما هي إلّا رحلة بحث عن الحقيقة، ومن ثمّ فإنّه سيتواضع، وسيحبّ الآخرين المغايرين، وسيحترم حقّ الاختلاف، وسيرى أنّ التّنوّع غنى، وأنّ التّعدّديّة ثراء، وعلى العكس إذا توهّم الإنسان أنّه امتلك المطلق أو اقتنص الحقيقة، فإنّه بالضّرورة سيتكبّر وسيتغطرس وحتمًا سيصبح متعصّبًا رافضًا للآخر المغاير متّهمًا إيّاه بالكفر والهرطقة والزّندقة.

الأخوة الأحبّاء إنّ إيماننا المسيحيّ يدعونا لقبول التّنوّع في إطار الوحدة، فنحن نؤمن بإله واحد لا شريك له، ولكن وحدانيّة هذا الإله ليست وحدانيّة جامدة ولكنّها وحدانيّة جامعة مانعة، فالله في إيماننا المسيحيّ واحد ولكنّه مثلث الأقانيم الآب والابن والرّوح القدس، ثلاثة أقانيم وهؤلاء الثّلاثة واحد، وإيماننا بهذا الإله العظيم الّذي ليس كمثله شيء، يدعونا لأن نقبل فيما بيننا الوحدة الّتي تحتوي التّنوّع، وهذا الإيمان بالوحدة الّتي تحتوي التّنوّع ليس بدعة، وليس جريمة، وليس سبه، وليس هرطقة ولكنّه فكر يتماشي مع إيماننا بالإله الواحد المثلّث الأقانيم، إنّ الوحدة الّتي نسعى إليها ككنائس هي وحدة التّكامل وليس وحدة التّماثل، وتنوّعنا غنى وتعدّديّتنا ثراء.

إخوتي الأحبّاء، إنّ المسيح يدعونا لأن نكون نورًا للعالم، ونحن لن نكون دعاة للنّور إلّا عندما نتّحد، وعندما نكون معًا يدًا واحدة، إنّ الانقسام جعل نور المسيح غير مكتمل فينا أمام الآخرين، ولكن بوحدتنا وبمحبّتنا الحقيقيّة لبعضنا البعض فنحن نقدّم أعظم شهادة وأبلغ عظة عن النّور الحقيقيّ يسوع المسيح، فلن نكون نورًا للعالم بدون محبّة لأنّ السّيد المسيح قال "بهذا يعرف الجميع أنّكم تلاميذي إن كان لكم حبّ بعضكم لبعض من القلب".

وقال أحد اللّاهوتيّين وهو يؤكّد ضرورة السّلام بين الكنائس "لو راعينا مبدأ الوحدة في الأمور الجوهريّة، والحرّيّة في الأمور غير الجوهريّة، والمحبّة في كلّ الأمور لكانت أوضاعنا حتمًا في أفضل حالة ممكنة، مع التّقدّم الّذي أحرزته البشريّة نحن مطالبون اليوم أن نتجاوز خلافات وانقسامات القرون الماضية ونقترب أكثر من بعضنا البعض، إخوتي الأحبّاء إنّ طريق الوحدة الحاضنة للتّنوّع ليس طريقًا مفروشًا بالورود والرّياحين، ولكنّه طريق مليء بالصّعوبات، ومحفوف بالمخاطر وحافل بالأشواك، ولكنّنا سنسير فيه مهما واجهنا من تعصّب أو صعوبات، وفي النّهاية لا بدّ أن يعلو صوت الحبّ على الحرب، وأن ينتصر السّلام على الخصام، وأن يفوز النّور على الظّلام.

في الختام أصلّي إلى إلهنا الواحد المثلّث الأقانيم أن يهبنا جميعًا لأن نكون بناة جسور الحبّ والسّلام، لا مشيدي أسوار التّعصّب والكراهيّة والظّلام، فعندما نبني جسور الحبّ وعندما نقبل الوحدة الحاضنة للتّنوّع فحينئذ سنكون بحقّ أتباع ليسوع المسيح النّور الحقيقيّ وسنكون بحقّ صادقين في شهادتنا عن النّور والرّبّ معكم".