الأب يوسف مونّس: أنطونيوس راهب العزلة والرّسالة
"أنطونيوس كوكب البرّيّة كائن الجذريّة
في السّابع عشر من شهر كانون الثّاني يقوم الرّهبان بتجديد نذورهم الرّهبانيّة: الطّاعة والعفّة والفقر.
وفي هذا التّاريخ يقع عيد مار أنطونيوس الكبير أب الرّهبان ناسك الصّعيد ورسول المدينة وكوكب البرّيّة وعاشق الرّبّ في العزلة والرّسالة، عائش الجذريّة.
"أترك كلّ شيء واتبعني"
"ولد أنطونيوس في مدينة كوما في صعيد مصر سنة 251". والقدّيس أنطونيوس الكبير صلاة المساء والستار والصّباح ونصف النّهار والقدّاس والزّيّاح الكسليك- لبنان 2007 (ص5).
توفّي والداه تاركين له أختًا دونه سنًّا وكان يحبّها ويعتني بها. دخل الكنيسة يومًا وسمع الإنجيل المقدّس: "إن كنت تريد أن تكون كاملاً فاذهب وبع كلّ شيء لك واعطه للمساكين فيكون لك كنز في السّماء وتعال اتبعني". (متّى 19/21).
باع كلّ شيء
أثّر فيه هذا الكلام وغيّر مسار حياته فذهب وباع كلّ ما يملك تاركًا لشقيقته نصيبها ووزّع حصّته على الكنائس والفقراء واعتزل الدّنيا مكرّسًا وقته للصّلاة والتّأمّل ومطالعة الكتب المقدّسة، وهو يذهب لزيارة النّسّاك ومجالستهم والاستماع إلى كلامهم ونصائحهم.
فغار منه الشّيطان وحسده وأخذ يجرّبه وأنطونيوس يكثر من الصّوم والصّلاة والتّأمّل للانتصار على تجارب الشّيطان له، ويكثر من عمل الإماتات وكان طعامه القليل من الخبز والماء والملح. فلاحقه الشّيطان بتجاربه ويهاجمه بصور حيوانيّة مرعبة. وصرخ مرّة من كثرة محاربة الشّيطان له: "أين كنت يا سيّدي" فأجابه الرّبّ "كنت هنا يا أنطونيوس أشاهد جهادك".
الذّهاب إلى الصّحراء
وتوغّل في عمق الصّحراء لأكثر من عشرين سنة وعرف النّاس أين هو فتوافدوا إليه طالبين منه أن يقبلهم في عداد تلاميذه. فقبلهم وأقام معهم على ضفاف النّيل. وقد زرت ديرًا كبيرًا لرهبانه على النّيل وهم يعيشون جذريّة الحياة الرّهبانيّة.
وفي سنة 311 كبر الاضطهاد على المسيحيّين فترك عزلته ونزل إلى الإسكندريّة يشجّع المسيحيّين ويرافقهم إلى المحاكم. ولمّا زال الاضطهاد عن المسيحيّين عاد إلى موقعته وحياته النّسكيّة.
وفي سنة 325 تفشّت هرطقة الأريوسيّين فدعاه القدّيس أثناسيوس وراح يبيّن أنّ المسيح إله حقّ وإنسان حقّ.
كما أنّه زار القدّيس بولا أوّل النّسّاك وكتب إليه الملك قسطنطين الكبير طالبًا صلاته.
وكان يزور الأديار داعيًا الرّهبان إلى الصّلاة والصّوم والتّقشّف وسلوك طريق الكمال. ورقد بسلام في 17 كانون الثّاني سنة 356 وكان عمره مئة وخمس سنين.
دير مار أنطونيوس قزحيّا
وذاع صيته حتّى اقتدى به نسّاك وادي قاديشا في لبنان متّخذين طريقته ومنهج حياته مثالاً لهم ويشهد على ذلك دير مار أنطونيوس قزحيّا التّاريخيّ والمناسك والصّوامع المحيطة به حتّى أنّ الرّهبانيّات المارونيّة دعيت باسمه وتبعت طريقته الرّهبانيّة والنّسكيّة. وفي يوم عيده في 17 كانون الثّاني يقوم الرّهبان بتجديد نذورهم الرّهبانيّة مقتدين بمثالهم الكبير "كوكب البرّيّة" أنطونيوس ناسك الصّحراء وراهب الرّسالة.
سرّ تلك الصّحراء
سرّ تلك الصّحراء وسرّ تلك المناسك والصّوامع، سرّ الصّمت والغرق في التّأمّل الرّوحيّ، حياة لا يعرف طعمها إلّا من عاشها وتذوّق حلاوتها مسحورًا بالجمال الأزليّ الوحيد المطلق والضّروريّ الأوحد كوكبة من الزّهاد والنّسّاك والمتوحّدين تجذبها العزلة والصّلاة ويشدّها التّأمّل والعمل والصّمت وهي كهروب شوقًا للحبيب الأزليّ في اختبار روحيّ للحضور الإلهيّ الّذي يتجلّى في السّكينة وقراءة الكتب المقدّسة مبتعدين عن العالم وشهواته وضجيجه، فكانت حياتهم قرابين حبّ ومحرقات عشق للوجود الأزليّ والضّروريّ المطلق الّذي خُلق قلبنا له ولن يرتاح قلبنا إلّا فيه على ما يقول القدّيس أغوسطينوس.
عيد مبارك لكلّ من يحمل اسم أنطونيوس وعيد مبارك لجميع الرّهبان والرّهبانيّات الّتي تنتسب إليه".